صدر منذ شهور برنامج "بيت السعد"، والذي قدمه أحمد سعد بمشاركة أخيه عمرو سعد، تلك الخطوة التي بروزت وكشفت للجمهورعن أبعاد ومساحات من علاقة الثنائي الفني الذي لا يفصل بينهما سوى عدد قليل من السنوات، تمثل ذلك في دور كلا منهما في حياة الآخر، والكثير من المواقف المميزة في قالب النميمة وما وراء الكواليس الذي يحبه الجمهور ويُقبل على مشاهدته ومشاركته على نطاق واسع.
هذه العلاقة التي قُدمت للجمهور لم تكن إلا نتاج سنوات وسنوات من العمل المشترك، الأمر الذي أفاد مسيرة الثنائي بشكل متبادل، وساهم في خلق جماهيريتهما سويًا، فمنذ بداية نجومية عمرو سعد في منتصف أول عشر سنين من الألفية وحتى يومنا هذا كان أحمد سعد مساهمًا في أعماله بالأغاني والتترات المميزة، ولكل دور كان هناك شكل، وكلمات، ونسق ألحان، وتوزيع ملائم للعمل الفني، وفي معظم الأحيان ملائم لبطل العمل بشكل أساسي، رحلة خلقت العديد من الصور الذهنية التي ستحافظ على مكانتها من سجلات الدراما والسينما.
لذلك إن كنتم تسائلتم يومًا ما لماذا بيت السعد بالتحديد ؟ أو لماذا أحمد سعد هو مغني تتر مسلسل "سيد الناس"، العمل الرمضاني القادم لعمرو سعد؟
إليكم رسم لرحلة الأخوين سعد الطويلة من تمثيل أحدهم أمام الشاشة، بينما يسجل الآخرعملًا موسيقيًا يخص عمله.
البطل الشعبي الصعيدي بين المدينة والقرية
كان اللقاء الأول مع سطوع نجم عمرو سعد، حين قدم أحمد أغنية "مش باقي مني" على المقسوم الصعيدي بلهجة عامية صرف، معبرًا عن أجيال من الصعايدة الذين هاجروا للمدينة طمعًا في فرص أفضل للترقي الاجتماعي، ليدخلوا في دائرة المسحوقين من الطبقات الفقيرة نتيجة للتردي الاقتصادي والاجتماعي الذي صاحب الألفية الجديدة.
الأغنية جاءت على شكل رثاء مميز ومحدد لهم، مخاطبًا فيها أحمد سعد الوطن، إعتمد على لحن الموال الصعيدي المتخم بتوزيعات مختلفة للربابة والمزمار، مع الإعتماد على أصوات الاستعداد للتحطيب المصطنعة ككورس، المصاحب لأوصاف تعكس القوة البدنية المستهلكة والجلد والصبر "مش باقي مني غير شوية قوة في إرادتي / حاسبي عليهم وانتي بتخطي"، أو ترجيه من الوطن بأن يحول عظامهم لمقام، إشارة للعلاقة التي دائمًا ما جمعت بين سكان الريف والصعيد بالتحديد والمقامات الدينية، "وابنيلي من عضمهم في كل حارة مقام / وزوريني مرة وحيدة".
بعدها بعام، عاد أحمد ليقدم تتر بداية ونهاية مسلسل "مملكة الجبل"، وفيه اتجه لأسلوب أكثر إحكامًا في الأداء عن الاسترسال الذي اتبعه في "مش باقي مني"، كما طُعمت الكلمات باللهجة الصعيدية، متخذة من تيمة الليل الشهيرة بالعديد من المسلسلات الصعيدية مثل "الليل وآخره" في تتر البداية مساحة لبناء هموم البطل عليها بين الإحساس بالغربة، والهم الذي يتسبب فيه ثقل مسؤولية إدارة شؤون العمل.
تتر النهاية على الناحية الأخرى كان أكثر بهجة، دون تقديمات أو استهلالات في إيقاع سريع يذكرنا بتتر نهاية مسلسل "ذئاب الجبل" بجملته الاستهلالية الشهيرة "وخاصمني يا زماني"، بجملة ذات وقع نغمي "همي غشيم دايس على وردي وريحاني"، وبزيادة في النقلات الإيقاعية بين التمبو العالي والمنخفض والمتسارع والطبيعي في العزف خاصة الربابة والطبول.
فتى الحارات الشعبية
ألقت أصداء فترة ما بعد ثورة عام 2011 بتأثيراتها على جميع الفنون حتى التجارية منها، فدخلت في أسسها البنائية بداية من الأفكار المقدمة والحبكات وحتى اللغة الموسيقية المستعملة، وهو ما أعطى لأحمد سعد مساحة تجريبية مميزة وخارجة عن مألوفه في تتر مسلسل "شارع عبد العزيز"، فعبر عن تأرجح "زيزو"، بطل المسلسل، بين الميول الدينية المتطرفة قبل أن يأخذ اتجاه هو أقصى الإختلاف، ثم يدخل في عالم تجارة المحمول بالأسواق ويمتثل لقواعده بمزيج لحني جمع بين الروك والموال الصوفي؛ معبرًا في الكلمات عن التيه ومغالبة الدنيا والهوى للإنسان، وسيادة الظلم وانعدام العدالة الذي يجعل البطل يحيد عن طريق الحق، داعيًا الذاهبين للحرم المكي؛ كونه العلامة الدينية التي تشعرالمُومنين بقربهم من الله أن يدعو له بالهداية.
استعمال تقنيات الموال الصوفي واللغة العربية والأداء بها كان بسبب قرب منطقة شارع عبد العزيز من منطقة السيدة زينب، والتي تشهد دائمًا الكثير من الحضرات والموالد الشعبية والصوفية، والتي ينتمي لها بطل المسلسل.
أما "بتعاير" من فيلم "ريجاتا" فقد شهدت طرق أحمد سعد لباب الأغنية الشعبية بوضوح ودون مواربة، معتمدة على نسق الأغنية الشعبية التقليدي الحامل للمتناقضات بين اللحن والكلمات، فبينما يوصف أحمد سعد بصوت متألم لعنة البطل التي ولد بها، والتي ربطته بالعالم السفلي للعاصمة، وجعلته معرضًا دائمًا للخزي وكسرة العين من المحيطين، يكون اللحن احتفاليًا بإمتياز، بتوزيع من أشرف البرنس، كما أنتج الفيلم والأغنية شركة السبكي للإنتاج الفني.
يونس ولد فضة ورسالة الأخوة الصادقة
ربما يكون "يونس ولد فضة" هو أكثر عمل ربط بين الأخين في مسيرتهما، وغنى فيه أحمد سعد عملين مرة أخرى بعد "مملكة الجبل"، كما كان البطل صعيديًا أيضًا ويتنقل بين القاهرة وأسيوط، مساحة جعلت وجودهما في عمل واحد تصل بالمنتج الموسيقي لذروة هذا التعاون.
ارتبطت شارة المسلسل بحالة من الخذلان الصادقة؛ فمنذ البداية الأقرباء ليسوا بأقرباء يعتمد عليهم أو يثق بهم البطل، والبطل نفسه يعترف بأنه قد فنى بين شخصيتين، بقوله "كدابة صورتي جوا البطايق / انا اللي فاني في حد تاني / والاولاني تاه في الخلايق"، أيضًا دمج اللحن بين الإيقاع الصعيدي والبوب الإلكتروني.
لم تكن تلك هي الأغنية المركزية بالمسلسل، بل أغنية "بحبك يا صاحبي"، والتي أصبحت بعدها أيقونة للتعبير عن حب الصداقة الصادق النابع من القلب، لا شك في أن أحمد سعد استدعى في أدائه للكلمات المغرقة بالتفاصيل علاقته بأخيه بكل مراحلها، ولا شك أن الكلمات كتبت خصيصًا لتعبرعن علاقته به كما عبرت عن "جدعنة" ومحاسن صفات وأخلاق بطل العمل يونس، جملة مثل "بحبك يا صاحبي … من وأنا لسة بحبي"، خلقت تلك الحميمية الراسخة، والتي تُتبع ب"الدنيا مهما ادته ميغيروش المال / لا عمره مني اشتكى ولا عمر قلبه ما شال "، والتي يختمها بهوك قوي "توب الرجولة / معمول عمولة / على قد جسمك / لو غبت حتى في أي حتة كفاية اسمك"، والذي يقترن بتصاعدات إيقاعية خاصة من المزمار والكيبورد - الأورج.
التيمة التي إستثمر بعد ذلك بنجاحها في أغنية "أنت إبن أبوك" لمسلسل "بركة"، والذي مال للنمط الكوميدي في الكثير من حلقاته، مما جعل التوزيع يدخل عناصرالسينث المضخم مع الطبول والجيتار الإلكتروني في توزيعه الشعبي.
بطل شعبي آخر بإقتباس نوستالجي : مساحة من المرح والعودة للجذور
نحن لا نجزم، فقد صرح أبطال مسلسل "ملوك الجدعنة" مصطفى شعبان وعمرو سعد بأنهم وضعا نصب أعينهما فيلم "سلام يا صاحبي"، بطولة عادل إمام وسعيد صالح وهما يقومان بأدوارهم في المسلسل، ووسط تلك الحالة المرحة التي استمدها الثنائي من أحد كلاسيكيات السينما التجارية، كان لأحمد سعد بصمته بأغنية "كل يوم"، والتي امتازت بإيقاعها السريع المثقل بالبايس، وفواصلها الأكورديونية، واستعمالها لتعبيرات تعكس الروح الساخرة مثل "لما كانوا ولا اليتامى" أو "لو بربع جنيه شهامة"، أو "خير دفعت عليه غرامة"، وتلاقت التعبيرات أيضًا مع اللغة المستعملة بالمسلسل.
في العامين التاليين بمسلسلات "توبة"عام 2022، و"الأجهر" لعام 2023، تسنى لأحمد سعد أن يلعب بعض الألعاب المختلفة وخارج السياق، ففي تتر مسلسل "توبة" والذي شارك فيه عمرو سعد بالغناء، قدم أخيه تجربة جمعت بين الإيقاع السريع في مقطع، وأسلوب الابتهال باللغة العربية بمقطع آخر، لاعبًا على ثيمة القلوب المشتاقة للحب، والتي تواجه ظلم وعدم عدالة الدنيا، صحيح أنها لعبة قديمة على تعاونات شهدت تواجد الأُخوة سويًا، لكنها أتت تلك المرة مطعمة بالإلكترو-شعبي ولمسة من الدريل البسيط، كما كتب كلماتها الشاعرهشام الجخ.
أما "بعدت" من نفس المسلسل، و"منستهوش" من مسلسل الأجهر بالعام التالي فقد عاد فيهما إلى جذور بداياته الرومانسية، مركزة على ثيمات فقدان الحبيب، والندم على البعد، والغياب المحتوم من جهة أخرى، والذي يساهم فيه القدر. إصدارات طعمها برتمه الهادىء بالأداء، وتوظيفات الجيتارالإسباني التي تتماشى مع طبقة صوته وتخلق إصدارات فريدة بإمتياز.