العمل على أكثر من ثلاثين فيلمًا ومسلسلًا من جُنرات مختلفة قد يظهر في بعض الأحيان أمرًا عاديًا، يرجع لفرص السوق التي قد يتحصل عليها الفنان المحترف. لكن أن يجعل هذا الفنان من معظم هذه الأعمال علامات في ذاكرة الجمهور وثقافة البوب المصرية والعربية، فهذا هو الإنجاز الحقيقي. وقد استطاع هشام نزيه من خلال تجربة مشبعة، خاصة وكونه أتى في فترة انتقالية بين الأجيال، أن يحجز له مقعدًا بين الأسماء البارزة في عالم صناعة الأفلام والمسلسلات.
كان هشام نزيه الاسم خلف موسيقى أفلام مثل "إبراهيم الأبيض" و"تيتو" و"ولاد رزق" و"السلم والثعبان" و"الأصليين" و"اكس لارج" و"الكنز" و"الهامور ح.ع" وغيرها، ومسلسلات مثل "السبع وصايا" و"ليالي أوجيني" و"العهد" و"نيران صديقة" و"في كل أسبوع يوم جمعة"، وغيرها. تنقّل في ما قدمه بين الجُنرات المختلفة بانسيابية وثقل، تاركًا بصمة شخصية يسهل تفريقها بسهولة حاليًا.
بعد الاستماع لعشرات الساعات من موسيقاه البارزة، اخترنا لكم من كتالوجه الموسيقي تسعة أعمال نراها الأبرز والأكثر تنوعًا، مع تحديد لأبرز نقاط القوة والتجديد التي اعتمدت عليها تلك القطع، وجعلتها مميزة ومكملة للأعمال المصممة لها.
فيلم هيستيريا - 1998
متأثرًا بأعمال أيقونات تلك المرحلة مثل راجح داوود ومودي الإمام، والتي ركزت على العمق النفسي لمواضيع أفلامها، أتت موسيقى فيلم "هيستيريا" معبرة عن مزيج بين الموجة التجديدية، وأفكار موسيقى أفلام التسعينيات الاجتماعية السياسية.
ظهرت هنا بوادر علاقة نزيه بالكمان والضجيج المتداخل، واستطاع خلق إيقاع يتحرك به الكمان متمازجًا مع الفلوت، دون أن يغيب العود والطبلة عن المعادلة، مطعمًا إياهم بإضافة شبابية من السنير. من الأشياء التي دفعت الفيلم وموسيقاه وبروزتهم كتجربة أولى، هو وجود بطل الفيلم أحمد زكي كمغني، حيث أدّى بصوته "وصفولي الصبر" و"إسال روحك" لأم كلثوم، كما غنى "إن مقدرتش تضحك" لوجبه عزيز، و"شد الحزام على وسطك" لسيد درويش.
فيلم سهر الليالي - 2003
نضج في هذه التجربة توظيف الكمان بشكل أكبر، وظهرت لأول مرة تقطعيات واضحة تسلم بعضها لبعض. استعار هشام من أجواء الموسيقى المصاحبة لأفلام الفانتازيا في عمق الصدى الذي خلقه حول الإيقاع الرئيسي. من أبرز إيقاعات القطع الموسيقية لهذا الفيلم كانت استعمال الأنفس المتلاحقة كإدخال مضاف إلى لحن الكلارينيت الحاد. خُتم هذا الفيلم أيضًا ببروزة موسيقية أيقونية، ففي مشهد الفرح المقام للأصدقاء نسمع الأغنية التي تحمل نفس إسم الفيلم "سهر الليالي"، بصوت فيروز.
فيلم تيتو - 2003
قدم هشام نزيه في "تيتو" نطاقًا أوسع وأكثر تركيزًا في إيقاع الكمان، مع استعمال سترينجات الجيتار بمداها المشدود، مدخلًا أصوات تكسير زجاج مكثفة. انطلقت حركة الكمان في بعض الأحيان من حشرجات مكتومة تصور الوضع الخاص بالبطل المحاصر. استعان أيضًا بصوت أوبرالي من طبقتين مختلفتين، مختومًا ببصمته الخاصة في نغمة الجيتار البايس المكثفة. وشمل اللحن تطعيمات من العديد من المؤثرات الصوتية المدخلة، مثل أصوات مضخات البخار والهمهمات والسرينة.
قدم هاني عادل على توزيعات مختلفة من ألحان هذا الفيلم أغنية "الحكاية مبتنتهيش"، والتي ناقشت فكرة انتصار القدر على أحلام المرتزقة الذي أراد التوقف عن عمله والارتقاء إجتماعيًا، لكن ماضيه وقف أمام ذلك.
فيلم بلبل حيران - عام 2010
تعد موسيقى هذا الفيلم واحدة من التجديفات غير المتوقعة إطلاقًا بمسيرة نزيه، خرج فيها عن جلده بنسبة كبيرة. يعود هذا بشكل كبير لكون الفيلم كوميدي يعتمد على الحوار، فلذلك تخف حدة التعبير النفسي العميق فيه، مع صفاء تام لأول مرة وعدم استعمال لتقنية الضجيج.
خلط المؤلف بين بعض عناصر الموسيقى الإلكترونية الشائعة حينها مثل الكيبورد والأوتوتيون، مع موسيقى جاز صرفة، كانت أبرز العناصر المستعملة فيها هي الساكسوفون وجيتار البايس والفلوت المخفف والصنج. حتى الإضافات تميزت بالخفة والرشاقة وكانت أقرب لشخصية أحمد حلمي، سواء من سامبلز الصيحات البسيطة، أو النغمات القريبة لنغمات الموبايلات الرائجة بتلك الفترة من فئة النوكيا.
مسلسل السبع وصايا - 2014
أعادت تجربة مسلسل "السبع وصايا" هشام نزيه لاستعماله المميز للضوضاء والضجيج، بكثافة أقل عما تعود عليه، خاصة مع اعتماد معظم الموسيقى على تقليد الزار التراثي، والذي بدأ فيه المؤلف من إيقاعات الزار التقليدية وتدرج حتى الاستعمال المباشر وتوظيف جنرا الروك. استطاع أن يمزج بين أدوات الزار المعتمدة بالأساس على الغناء الجماعي متداخل الطبقات الصوتية، وعناصر جنرا الجاز الواضحة كالأبواق والباس كلارينيت والأجراس، مستعينًا أيضًا بالآلات وترية بدوية في مزيجه الفريد من نوعه والمقدم لأول مرة بشكل تجاري واسع النطاق.
فيلم الفيل الأزرق - 2014
في "الفيل الأزرق" عاد لأسلوبه الخام، وقد خدمه السياق الخاص بالفيلم المنتمي لجنرا الرعب في تكثيف وتضخيم تأثيرات الصدى المصاحبة للإيقاعات، مقدمًا التصور الصاخب للصراعات الداخلية النفسية للدكتور يحيى راشد، بطل الفيلم.
استعان أيضًا نزيه بخبرته مع موسيقى الزار، ليدخلها ولكن بهمهمات غنائية أكثر حدة، وكأنها أصوات شريرة قادمة من باطن الأرض، مع توظيف واضح لوقع المطارق الضخمة بالدق المتتابع. كما شمل الجزء الثاني من السلسلة الصادر عام "2019" تطعميات من الموسيقى الغجرية سواء لغوية أو لجنية إيقاعية.
مسلسل أفراح القبة - 2016
يتخلى هنا هشام عن فكرة استعمال التشويش، ويستبدله بحالة من البهتان التي تطغى على معظم المقطوعات، خاصة المقطوعة الرئيسية، لتعبر عن عالم المسرح الداخلي في السبعينات المليء بالممثلين الثانويين الباحثين عن فرصة النجومية، بتركيباتهم النفسية التي تحمل جوانب هشة. يخترق هذا الصفاء صوت أنثوي يعبر عن الشخصية مركز الأحداث، تحية. حتى في التعبير عن الغضب واللحظات المتصاعدة المختلفة يستعمل أكثر النوتات العالية للبيانو، والآلات النفخية الغليظة لكن بوضوح تام.
فيلم تراب الماس - 2018
كانت الحيلة الذكية بفيلم "تراب الماس"، هي استعمال آلة موسيقية واحدة، وهي الهارب، وخلق توزيعات مختلفة لها، مع وجود مكثف لصوت عقارب الساعة، وغياب واضح للكمان. الهدف من هذا التوظيف وتلك الحيلة هو عكس عالم البطل طه حسين الزهار، تعبيرًا عن مدى هشاشته وانطوائيه أمام العالم، مع عكس علاقته بكل ما يحيطه من شخصيات وأحداث وعلاقات تجعله يخرج من عالمه الخاص للعالم الخارجي، دون أن يطور ذلك من شخصيته أو يغيرها.
مسلسل Moon Knight - 2022
قدم هشان نزيه تجربة ناجحة للغاية في عمله على أول مسلسل سوبر هيرو من مسيرته. رغم طابع التجربة الرسمي بعض الشيء، لكنه استطاع المزج بين النوتات الأوركسترالية، والتي استعان فيها بأصوات أوبرالية ذكورية وأنثوية، مع الآلات الشرقية والمصرية القديمة المختلفة، بشكل قد يعطي انطباعًا استشراقيًا بعض الشيء، لكنه في نفس الوقت يخلق صورة كاملة للبطل الخارق المنتمي للحضارة المصرية القديمة، وخاصة أن قوة البطل الخارقة تأتي من الإله خونسو.