يرخي الترقب والانتظار بثقله على الهواء في المكان مع دخول إليانا إلى مستودع في داون تاون لوس أنجلوس، حيث تجتمع مع بيلبورد عربية لإجراء مقابلة وجلسة تصوير لغلاف المجلة لشهر فبراير/ شباط قبل 24 ساعة فقط من موعد حفلها الأول في دالاس بتكساس، والذي تنطلق معه جولتها الأولى في أمريكا الشمالية. ورغم الأعصاب المشدودة بفعل الحماسة والتحضيرات، تنضح إليانا بثقة وبعزم هادئ، يظهر كصفة أساسية في شخصيتها الفنية التي أوصلتها إلى الصعود السريع في الصناعة الموسيقية. في رصيد إليانا ألبومان قصيران فقط وعدد من الأغاني الفردية، إلا أن القاعدة الجماهيرية الكبيرة والموهبة التي لا يمكن إنكارها تتيح لها أن تختبر اليوم شعورًا استثنائيًا مع نفاذ التذاكر في مختلف الحفلات على جدول جولتها. تكسر إليانا قيود اللغة مع طبقة صوت فريدة تكتب النوطة الأولى في لحن مستقبل موسيقى البوب العالمية.
بدعم عائلتها وتوجيهات فريقها الفني من شركة إدارة المواهب SALXCO، تنضم إليانا إلى جلسة التصوير موازنةً بدقة ما بين الاستعداد والحماس للّقاء وبين محاولة الحفاظ على طاقتها وصوتها قبل انطلاق الجولة. ولتهيء نفسها أكثر تغمر المكان بصوت البلايليست الخاصة بها والتي تضم تراكات غير منشورة من ألبومها القادم، إضافة إلى تشكيلة تتنوع بين أغاني آيس سبايس ودوجا كات وصولًا إلى شيرين عبد الوهاب. تبدأ الفنانة البالغة من العمر 22 عامًا بالدخول في المود والوصول إلى حالة من التناغم بصمت. وسط هذا السكون الصوتي في فترة راحة صوتها قبل بداية الجولة الموسيقية، تجدها منغمسة في لحظات تأمل واستبطان. في هذه اللحظات تحديدًا تولد رسالة إليانا إلى العالم.
تحلم إليانا بالنهوض بموسيقى البوب العربية لتصل إلى المسارح العالمية، وأنا تستخدم فنها لتصوير وطنها وهويتها بعيدًا عن عدسة الصراع. فالفنانة التي وُلدت في الناصرة في فلسطين، وهاجرت مع عائلتها إلى لوس أنجلوس في سن الخامسة عشرة، تسعى إلى إبراز جمال ثقافتها بكل تفاصيلها وطبقاتها وأنسجتها وتدرجاتها اللونية وتاريخها، في مواجهة الصورة الإعلامية التي يهيمن عليها شبح الحرب والدمار.
نستشعر هذه الرغبة بالتعبير عن هويتها في جميع الأغاني والعروض الحية التي تقدمها، سواء كان ذلك على مستوى الألحان أو الكلمات أو حتى الأزياء والإكسسوارات المستوحاة من التراث العربي. نرى فلسطين من عينيّ إليانا، وأيضًا من عيون عائلتها التي هي جزء من حكايتها الكاملة. بعيدًا عن المبالغات، فكل فرد من أفراد أسرة إليانا له دوره الخاص في مسيرتها الفنية؛ فشقيقتها تالي مسؤولة عن تصميم أزيائها، وشقيقها فراس يتولى إخراج الفيديوهات ويشارك في الإنتاج، فيما تساهم والدتها عبير في تأليف الأغاني، ويشرف والدها عامر على العملية من الألف إلى الياء. تشرح إليانا: "هاد [النجاح] بيتطلب عالم تآمن فيك. لهيك أنا بخلي حواليي العالم اللي بتآمن فيني. إذا بحس إنو في حدا مو مآمن بموهبتي أو برؤيتي مباشرةً ببعد لغير ناحية، لوقت ما لاقي عالم تآمن برؤيتي، لأنو هي مهمّة وما رح تنجح إذا اللي حواليي مش شايفينها".
قد لا يكون هذا المستوى من التقارب حكرًا على العائلات العربية؛ ولكن الرغبة في سرد قصة أجيال في أغنية واحدة هو بالتأكيد سمة عربية بحتة. وهذا ما نسمعه في العديد من أغاني إليانا، وخاصةً في أدائها المميز في كوفر أغنية أهواك لعبد الحليم حافظ، وهي الأغنية التي استطاعت التغلغل مرة تلو الأخرى في كل جيل منذ إصدارها قبل حوالي ستة عقود. إن أداء إليانا لأغنية أهواك هو تحية تقدير تبثّ حياة جديدة في الأغنية الكلاسيكية من خلال مزج الكلمات الأصلية على البيانو، حيث يعطي غناؤها الرزين انطباعًا بأنه قادم من حقبة زمنية أخرى. "بعرف إنها كوفر" تقول إليانا "بس هي كوفر بحس جبتو لعالمي أنا. وبحس كانت مرحلة فيها بلشت افهم شو بدي أساوي وشو خطوتي القادمة لأنها عنجد ألهمتني".
أصدرت إليانا أغنيتها الخاصة الأولى قولولي ليه عام 2019 لتكشف للعالم إمكاناتها الصوتية القوية. وكانت الأغنية نتاج تعاون بين والدتها عبير وشقيقها فراس ومؤلف الأغاني نصري عطوي وساري عبود ومارتين سينوت الذين شاركوا جميعًا في تأليف كلمات الأغنية. تحكي الأغنية عن الشعور العميق بالوحدة الناجمة عن البعد والضياع، وتستحضر كلماتها المؤثرة وألحانها المثيرة للشجن ألفةً يتردد صداها مع أي شخص شعر يومًا بأنه غريب، كما تقدم العزاء في تجربة مشتركة من خلال جوقة تردد السؤال "قولولي ليه؟"
عندما سألتُ والدتها عبير عما إذا كانت الأغنية تتحدث عن فقدان مكان أم شخص، ردت بحسم "مكان". لكن بالنسبة لإليانا، تحمل الأغنية معنى مزدوجًا، وهو المعنى الذي يُترك للمستمع ليفسره بطريقته الخاصة. في هذا التعاون في الكتابة مع والدتها وشقيقها يكمن السر في قدرة إليانا على تقديم أغاني قادرة على تخطي الزمن وكسر قيود الماضي والحاضر والمستقبل في نغمة واحدة.
أصدرت إليانا ألبومها القصير الأول في عام 2020، وهو عمل فني يحمل اسمها ويتألف من ست أغانٍ، بما في ذلك "قولولي ليه" و"أهواك" وهيت "أنا لحالي" الذي جاء كديو إليانا ومساري، ومن هنا برز اسم فنانة على وشك العثور على صوتها. بعد ذلك، أطلقت إليانا ألبومها القصير التالي إليانا 2، الذي تضمن مجموعة من الأغاني الناجحة مثل "على بالي" التي ظهرت أيضًا في مسلسل "مو عامر" على نتفليكس، و"غريب علي" بالاشتراك مع بلطي، والتي حصدت أكثر من 50 مليون مشاهدة بمزيجها الرائع بين الإيقاعات اللاتينية والكلمات المعبرة. ومع تدفق مستمر من الأغاني المنفردة بما في ذلك أغنية "سكر" التي صدرت عام 2023، وهي كوفر للأغنية الأصلية "Sugar" لـ زوبي وأناتو، متبوعًا بأغنية "ماما إيه"، تستمر إليانا في التأكيد على تميزها المتنامي في عالم موسيقى البوب.
وخلال فترة زمنية قصيرة نجحت النجمة الشابة في حجز منصة لنفسها على المسرح الذي يحلم الكثيرون بالأداء عليه متمثلًا بمهرجان كوتشيلا في أبريل/ نيسان من العام 2023، حيث قدمت أول عرض عربي بالكامل في تاريخ المهرجان. في لحظة بارزة أخرى، تمكنت إليانا من إثبات قدرتها على استخدام موسيقاها لرفع الوعي والاحتفاء بجمال الثقافة الفلسطينية، وذلك من خلال أدائها الموجع للقلب خلال مهرجان الجونة السينمائي نهاية العام 2023 حيث غنت أغنيتها الأصلية "غصن الزيتون" التي شارك في تأليف كلماتها شقيقها فراس.
لدى سؤالها عن دورها كفنانة عربية، أكدت إليانا أنها تحرص على نشر ثقافتها في جميع أنحاء العالم. في حين أن مثل هذه الاستفسارات تثير في كثير من الأحيان ردود فعل متناقضة، إلا أن إليانا تضيف لكل أغنية من أغانيها لمحة من التراث الثقافي الغني، وتفعل ذلك بطريقة سلسة سهلة الوصول. فكما الغرز المعقدة للتطريز الفلسطيني، تحيك إليانا كذلك في موسيقاها تأثيرات متنوعة في نسيج متناغم دقيق؛ فكل مقطع موسيقي يكشف لنا صورة مخفية، كما لو أن كل خيط يحمل قصة تترقب اكتشافها، ما يدعو المستمعين في جميع أنحاء العالم إلى اكتشاف الأنماط الشاملة التي تحاكيها هذه الأغاني. تواصل إليانا الآن وهي على وشك إطلاق ألبومها الطويل، مزج تأثيراتها الثقافية المتعددة التي تجمع ما بين اللمسات اللاتينية الموروثة من جدتها التشيلية، وقوة قلم جدها الفلسطيني، وتمزجها جميعًا في قالب صوتي فريد من موسيقى البوب.تقول إليانا: "افهي بس إني آخذ اشيا بحبها من الحياة وبس أحطها بمشروع ممكن أسميه عمل فني، وبهالمشروع كنت كتير تجريبية".
تجسّد أحدث أغنيات إليانا "الشام" الرئيسية من ألبومها القادم، عناصر ثقافية متنوعة من المنطقة، وتستعرض روحها التجريبية. تُترجم الأغنية بدعم من إيقاعات الدبكة الإلكترونية كلمات أغنية خمرة الحب للمطرب السوري العريق صباح فخري، وبالتحديد عندما يقول الجملة الشهيرة: "عيشَةٌ لا حُبَّ فِيهَا/ جَدوَلٌ لا مَاءَ فِيهْ". ولكن في جزء معين من الفيديو كليب الذي ترافق مع صدور الأغنية، نشعر بأن إليانا لا تغني هنا كضحية لحب من طرف واحد، بل على العكس، جاءت الاغنية والفيديو لتأكد أنها قوة لا تُقهر، تُجسّد التمكين والجرأة، فيما تستعد لجولتها الأولى في أمريكا الشمالية برفقة فريقها. تقول إليانا فيما تسرده من أحلام تشهد تحققها: "بحس حالي مرات إنو أوف! أنا ع غلاف بيلبورد! وعندي جولة انباعت بطاقاتها! وعندي ألبوم جاي! بحس بشعور جنوني إني بعمل اشيا حلمت فيها كل حياتي"، وتواصل بالقول إن الجولة ستجمع العرب المتواجدين في أمريكا معًا من خلال الفن، وهو أكثر ما تتطلع إليه.
بعد تأجيل جولتها الأولى بسبب الحرب على غزة، أعلنت إليانا عن مواعيد جديدة، مع عشر محطات في الولايات المتحدة وكندا. إذا حالفك الحظ وتمكنت من حضور أدائها، ستدرك خلال أول عشرين ثانية أنها نجمة بوب متفردة تمتلك موهبة خاصة. لا يقتصر الأمر على صوتها أو الرسالة التي تحاول إيصالها أو حتى على التأثيرات المتنوعة خلف موسيقاها، بل إنها التوليفة الخاصة التي ترسم ملامح فنها وتأثيرها كصوت المستقبل لموسيقى البوب العربية.