لطالما كان مروان بابلو شخصية جدلية في مشهد الهيب هوب المصري، انتظر الجمهور ألبومه الأخير لأكثر من سنة، في ظل خوف من اعتزالٍ ثانٍ قد يخيّم على مسيرته، لكنه صرّح تكرارًا أن القادم ليس تجاريًا بل مليء بالعواطف والمشاعر الحقيقية. صدر الألبوم بعد أن تغيّر اسمه وغلافه لأكثر من مرة، وحمل اسم آخر قطعة فنية، ليعيدنا بابلو إلى فكرة استيحاء اسمه من بابلو بيكاسو وحبه للفن واللوحات وتقنيات الرسم المتأنية. كان بابلو قد أزاح الستار عن إصدارين سبقا الألبوم بحوالي العام، وبعد أشهر على صدور التراك الأول، الحلال، شارك صورة التراك الثاني ليلي ياه على ساوندكلاود وكتب "like the old days"، في إشارة إلى بداية مسيرته على هذه المنصة باسم داما.
يبدأ تراك ليلي ياه بعينة من تشويش راديو يحاول التقاط تردد لإذاعة ما، ترافقه سنثات مشوّهة ، قبل أن يباغتنا إيقاع الدرامز مصحوبًا بصوت بابلو في اللحظة نفسها مع أول بار "راجع تاني أخلص المهمة وأروح بعديها البيت". غالبًا ما يؤدي بابلو بطبقة الصوت نفسها التي يتكلم بها، ويترك للأوتوتيون تحديد نغمات هذه الطبقة بطريقة غير مبالغ فيها، بما يتناسب مع بلاغة كلامه الجاف والقاسي. يحكي عن علاقته بالموسيقى والأصدقاء وعن نظرته إلى الماديات والنقود، قبل دخول الكورس الغنائي "مين فيهم حسني/ مين فيهم شدني/ بهد كل الي يتبني"، ويكرر هذه العبارة ثلاث مرات بين كل مقطع. يتابع بابلو رصد تجاربه المريرة ومعاناته في الاندماج مع باقي الفنانين في السين، وقد حملت باراته الكثير من الدسّات، بدا أكثرها وضوحًا هو بار "طب فيهم حد حقيقي لاء مفيش" في إشارة إلى تراك لأ مفيش لـ مروان موسى وأبيوسف الصادر قبل سبع سنوات.
اهتم بابلو بالماسترينغ على وجه الخصوص في إصداراته، فتعامل في ليلي ياه مع مهندس الإتقان Mike Bozzi الذي شارك في إصدارات عالمية مثل Humble لـ كندريك لامار. جاء تراك ليلي ياه موزونًا وأثار حماسة الجمهور لسماع الألبوم، كما دخل قائمة بيلبورد عربية هوت ١٠٠ بعد صدور الألبوم فجأة قبل حوالي الشهر، وحمل باقي الإصدارات العشرة التي دخلت القائمة أيضًا مثل مطفتش والمبدأ.
استعرض بابلو في مطفتش تطوّر مهاراته بالإنتاج والميكسينغ، حيث تشابه صوت السنث مع أسلوب منتج الموسيقى الإلكترونية ماكس كوبر، مما يظهر خروج بابلو عن أسلوب إنتاجه المعتاد ودخوله في مرحلة مختلفة قائمة على إدخال عينات إلكترونية بحرفية. أضاف طبقة صدى منحت صوته مساحة وبُعدًا مسموعًا، وكأنه في مكان بعيد جدًا، في الفراغ "وسط الثعابين أدينا ماشيين". بلغ التراك ذروته بعد دقيقتين في صوت صرخة تحكي الكثير عن مشاعر بابلو. وكان قد تعاون مع Brian “Nox” Eisner في الماسترينغ، كما فعل في تراكَي المبدأ وإش ليبي إس.
ظهر تراك المبدأ في المرتبة ٢١ على قائمة هوت ١٠٠ أيضًا، كونه من أكثر إصدارات الألبوم رواجًا من حيث نسبة الاستماع على مختلف المنصات. تابع فيها بابلو سردية تتحدّث عن الأصدقاء والمبادئ والجدعنة، كما فعل في معظم إصدارات الألبوم. كما قدّم مستوى عالٍ في اللعب على الكلمات، حيث اتّبع تقنية الـ Slant Rhyme في قوافي باراته الافتتاحية، وهي تقنية تقوم على اللجوء إلى كلمات مختلفة بأصوات متشابهة "طلعوا قش، طلعوا خيش/ طلعوا عملة Double face". تعاون في الإنتاج مع هادي معمّر، وقد حمل الإصدار بيتًا غنيًّا بالفواصل الإيقاعية و تيمبو بطيء يقترب من إيقاع المقسوم، ناسب أداء بابلو المليء بالجمل الغنائية.
أثبت بابلو من خلال ألبومه الأخير أن لديه دائمًا ما يقدّمه، وما يستحق الانتظار لسنة أو سنتين وحتى أكثر، كما كشف عن براعته الإنتاجية ونجاحه في تعلّم تقنيات جديدة الأمر الذي يفسّر كلّ هذا التأني. حملت كلماته الكثير من العتب واللوم ولكنها تابعت التبجح بأسلوبه والذي سبق أن جعله ينصّب نفسه كـ"الأب الروحي للتراب".