يعطي الرابر مروان عبدالحميد أو سانت ليفانت، طابعًا خاصًا لفئة الموسيقيين الشباب في الشتات، باحثًا في جذوره عن هويته الفنية الخاصة، منتقلًا بين هم الحفاظ على الرابطة مع أرضه وبين تفاصيل الحياة اليومية في مجتمع انتقل إليه، لذلك فهو يحمل على عاتقه الامتيازات، كما يحمل الآلام. ما بين لحظات السقوط والصعود النفسية، والذاتية الشديدة والعولمة الفجة، يأتي ليفانت كنموذج فريد، ساهمت العديد من العوامل في انتشاره ووصوله لقواعد مختلفة من الجمهور والمستمعين، من صناعة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، مرورًا بصناعة موسيقى شديدة الخصوصية، ووصولًا إلى الأداء في مهرجان كوتشيلا الموسيقي العالمي.
لو عدنا إلى البداية، مع سبتمبر/ أيلول العام ٢٠٢٠، فإن Jerusalem Freestyle لم تكن خطابًا مفتوحًا عن معاناة الفلسطينيين فقط، لكنه خطاب حمل سمات فنية أيضًا سواء في القوافي أو الإنتاج الموسيقي المعتمد على جُنرات الراب والبوب، واستطاع مروان عبد الحميد أن يوظف شخصية الناشط السياسي خاصته آنذاك لبروزة هوية محددة لموسيقاه. كان التحدي التالي هو ألا تقع سرديته في فخ التكرار، وأن تتطور مهاراته لتأتي 7ajir معبرة عن ذلك بوضوح مع وورد بلاي رشيق، كما خرج عن تقديم الإطار العام للمأساة مستعرضًا تفاصيل الحياة اليومية. أما في Haifa in a Tesla فيوظف المقسوم الشعبي في الإنتاج، ولا تغيب في كلماته حس طرافة الستاند أب كوميديان، وهو قالب طوره أغنيةً تلو الأخرى. كما أثبت سانت ليفانت ذكاؤه كصانع محتوى وموسيقي عند التقاطه للتقنية المنتشرة على تيك توك، بتبطيء الأغاني وتسريعها ولذلك أتت أحد إصدارات أغنية Nirvana in Gaza على قناته الرسمية بهذا الاسلوب، وبإنترو مع العود الذي يؤدي "يا مسافر وحدك". لم تتبدل أيضًا تعاونات ليفانت من منتجه الموسيقي هنري موريس طوال إنتاجاته الأولى سعيًا منه لتثبيت أسلوبه الموسيقي، أو خلق علاقة خاصة وذاتية مع الجمهور.
إستمرت إصداراته مع هنري موريس مع صدور 1001Nights، والتي تأتي ساخرة بين تناقض العنوان والمضمون، فيما يقتطف في الإنترو من مقابلة مع الكاتب والمفكر إدوارد سعيد حول الاستشراق، ليشير إلى مدى جهل الغرب بشكل وتفاصيل شكل الحياة اليومية في المجتمعات العربية. تلتها Eye to Eye التي يقدم فيها تفاعلات العربي المهاجر مع الثقافة الأمريكية، وBye the sea التي يستعين فيها بسامبل من موال قديم لجورج وسوف في بداياته، أو One More Time / Baby، التي يستعمل فيها لحن One dance لدريك. استعرض في الأخيرة أسلوب تصوير مميز في الزوايا والكلوزات، وتفاصيل بصرية أخرى مميزة تجمع ستايل الريترو مع تريندات فيديوهات وسائل التواصل الاجتماعية، فيما ظهر هو والمودلز بتيشيرتات فريق ليفربول الإنجليزي. منذ تلك المرحلة بدأ أسلوب سانت ليفانت يشهد تطورًا على صعيد المظهر والجانب البصري بالتوازي مع تطوره الموسيقي.
وبعد عدد من الحفلات الناجحة في مونتريال وتورونتو، انتقل سانت ليفانت إلى خطوة الألبوم القصير From Gaza with Love، بمزيج جمع بين الذاتية الشديدة، ومواضيع الحب والعلاقات، إلى جانب الحضور الثابت لموضوع الهوية ومجتمعات الشتات، محافظًا على النسيج الفني والسياق المترابط عبر الألبوم ككل، مستعملاً فيه اللغة الفرنسية والعربية والإنجليزية، ومتنقلًا بين التشيل والتراب والتكنو والجروفوالكلوب ميوزك.
جاء فيديو الكلمات الذي صنعه لتراك From Gaza with Love ليعزز تقديم الهوية الفنية التي صاغها على مهل في الإصدارات السابقة، وقد ظهر هذه المرة مع شاربه الكثيف المفتول الذي يشبه الشخصيات التاريخية في المسلسلات الشامية. كما تابع في هذه الأغنية ما بدأه في Very few friends، من سرد فيرساته وعيناه مثبتتان على الكاميرا وكأنه يخاطب المستمع ضمن حديث خاص معه، وقد بات الأداء والإنتاج مدعومان بميكسينغ وماسترينغ مثالي جعلاه صوته أكثر جاذبية. أما مع صدور فيديو كليب Nails انتقل سانت ليفانت إلى مرحلة بصرية وإنتاجية أكبر من إخراج ماتياس روسو لارسن، الذي قدم استعراضًا كرنفاليًا حيويًا، وأدخل عناصر بصرية عربية في مواقع التصوير والأزياء، بما يتناسب مع ما نسمعه في الإنتاج من تفاصيل صوت الموسيقى الشرقية مع الوصول إلى نهاية الأغنية.