كان قد مرَّ أكثر من أربعة سنوات على صدور أغنية "يا ليلة العيد" حين وقفت أم كلثوم لتؤديها بين جملة من الأغاني ضمن حفلة شهيرة أحيتها في ملعب مختار التتش سابقًا -النادي الأهلى حاليًا- يوم وقفة عيد الفطر الموافق 17 سبتمبر/ أيلول من العام 1944. غنت أم كلثوم في الوصلة الأولى أغنية "ذكرياتي" وأتبعتها بأغنية "رق الحبيب"، وفي الوصلة الثانية غنت "يا ليلة العيد" لتشعر أثناء غنائها بحركة غير اعتيادية في مكان الحفل وتتفاجأ بتعالي التصفيق والهتاف بحياة الملك فاروق فقد حضر الملك بدون سابق إنذار ورأته يدخل فتوقفت عن الغناء حتى جلس وأذن لها بأن تكمل.
غنى العديد من نجوم الزمن الجميل فرحًا وابتهاجًا بقدوم العيد في أغنيات مثل "هلت ليالي حلوة" لفريد الأطرش و"يوم العيد له بهجة وفرحة" لسعاد محمد و"الليلة دي عيد" لياسمين الخيام و"هل هلال العيد" لنور الهدى و"هليت يا عيد" لمحمد عبد الوهاب. ومن بين كل أغاني العيد الذي نعرفها بقيت أغنية "يا ليلة العيد" لكوكب الشرق أم كلثوم عابرة للزمن والأجيال، إذ حافظت على الشعبية نفسها بين الكبير والصغير لمدة تتعدى الثمانين عامًا، كأول أغنية تطرأ ببالنا عند اقتراب الأعياد في كل شبر في الوطن العربي.
بدأت قصة الأغنية مع صدفة عابرة في فترة من موسم أعياد في العام 1937 كانت أم كلثوم متجهةً إلى مبنى الإذاعة لتسجيل إحدى أغانيها، عندما سمعت أحد الباعة المتجولين وهو يروج لبضاعته مناديًا "يا ليلة العيد آنستينا". مباشرةً، وقعت أم كلثوم في غرام الجملة وقررت أن تقدم أغنية توظفها في مطلعها. عندما وصلت لمبنى الإذاعة وجدت الشاعر بيرم التونسي فأوكلت إليه هذه المهمة وبالفعل شرع بيرم في كتابة الأغنية لكن مرضه منعه من أن يكملها، فطلبت أم كلثوم من الشاعر أحمد رامي أن يقدّمها بدلًا منه. وبالفعل، كتبها أحمد رامي ولحنها رياض السنباطي وصدرت ضمن أحداث فيلمها الثالث "دنانير"، الذي عرض في رمضان عام 1940. أخرج الفيلم أحمد بدرخان، وشاركها بالتمثيل سليمان نجيب وعباس فارس، وفيه كانت تغني الأغنية للخليفة هارون الرشيد ووزيره جعفر البرامكي فكانت تنتهي الأغنية بجملة "يعيش هارون ويعيش جعفر ونحيي لهم ليالي العيد". لاحقًا، أصرّت أم كلثوم على حذف الأغنية من الفيلم لترتبط في أذهان الجمهور بالعيد أكثر منها بالفيلم.
أما بعد سنوات، وحينما قاطع دخول الملك فاروق أداءها للأغنية خلال حفلة عيد الفطر الشهيرة، توقفت أم كلثوم عن الغناء حتى جلس الملك وأذن لها بأن تكمل. ورغم ارتباكها من هول الموقف إلا أنها تصرفت بذكاء، وقررت أن تفاجىء الملك هي الأخرى بإهداءه الأغنية فقالت: "يا نيلنا ميتك سكر وزرعك في الغيطان نور/ يعيش فاروق ويتهنى ونحيي له ليالي العيد" ثم انتقلت ببراعة مع فرقتها من "يا ليلة العيد" إلى الجزء الأخير من أغنية "حبيبي يسعد أوقاته"، فغنّت: حبيبي زي القمر قبل ظهوره يحسبوا المواعيد/ حبيبي زي القمر يبعث نوره من بعيد لبعيد/ والليلة عيد .. ع الدنيا سعيد/ عز و تمجيد لك يا مليكي".
ما فعلته أم كلثوم أسعد الملك وأرضاه، فاستدعاها بعد انتهائها من غناء الوصلة الثانية ليصافحها، وأبلغها أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي وقتها بأن الملك أنعم عليها بنيشان الكمال من الدرجة الثالثة. سمع الصحفي مصطفى أمين بذلك فهرع إلى الميكروفون ليذيع النبأ، وبدورها تقدمت هي الأخرى إلى الميكروفون لتلقي كلمة بهذه المناسبة السعيدة تشكر فيها الملك على هذا الإنعام، وشرعت بعدها في إكمال وصلتها الثالثة بأغنية "أنا في انتظارك".
من الجدير بذلك أن ذلك النيشان الذي أكسبها لقب صاحبة العصمة، قوبل باحتجاج شديد اللهجة من أميرات العائلة المالكة، حيث أنه لا يمنح إلا للأميرات او سليلات النسب الملكي، فكيف تحصل عليه مغنية من عامة الشعب؟ ويعد هذا ثالث نيشان تحصل عليه أم كلثوم بعد نيشان الاستحقاق السوري ونيشان الاستحقاق اللبناني.
لم تتوقف إنجازات الأغنية عند هذا الحد، فقد كانت السبب في حصول أم كلثوم على وسام الرافدين أيضًا. ففي العام 1946، وُجّهت لأم كلثوم دعوة من المملكة العراقية للذهاب إلى بغداد لإحياء ليلة عيد ميلاد الملك فيصل الثاني. لم تكن هذه زياراتها الأولى بالطبع، فقد سبق وأحيت على مسرح الهلال عدة حفلات، كما التقت وقتها جمعًا من الأدباء والصحفيين في العام 1932. لكن هذه المرة كانت مختلفة، إذ وصلت طائرتها وتوجهت على الفور إلى القصر الملكي حيث استقبلتها الملكة الأم والأميرات صاحبات السمو شقيقاتها، ثم ذهبت بعدها إلى فندقها لتعود في المساء مع موعد الحفل الساهر في قصر الرحاب احتفاء بعيد ميلاد الملك العاشر، الذي كان وقتها أصغر ملك في العالم. دعي إلى الحفل كبار رجال الدولة ورجال السياسة، وبدأت أم كلثوم وصلتها بأغنية "يا ليلة العيد" واختتمتها بقول:يا دجلة ميتك عنبر وزرعك على العراق نور/ يعيش فيصل ويتهنى ونحيي له ليالي العيد".
وفيما كانت الحفلة مذاعةً في أرجاء العراق كلها، هتف الجمهور لأم كلثوم بمنتهى التأثر والفرح في الأماكن العامة والساحات. في اليوم التالي توجهت أم كلثوم لدار المفوضية المصرية لتغني هناك "سلو قلبي" و"أهل الهوى" وسط لفيف من المدعوين من مصر والعراق، وبعدما أنهت غنائها، قلّدها الأمير عبد الإله الوصي على العرش بوسام الرافدين، الذي لم يكن يمنح حينها سوى للرجال بحسب القانون، الذي تمَّ تعديله في تلك المناسبة لتصبح أم كلثوم أول امرأة تحصل عليه في تاريخ العراق.