يأتي اسم الناين ضمن جيل من فناني الراب في السعودية الذين تبلورت تجاربهم في السنوات الأخيرة، بالتوازي مع اتساع حضور الهيب هوب في المنطقة واعتماد الفنانين على العمل المستقل ومنصات البث الرقمية لبناء حضورهم.
من جدة، يقدّم الناين مشروعه الموسيقي بوصفه مساحة شخصية للتجربة والتعبير، حيث يتقاطع الراب مع الإنتاج الذاتي والسعي إلى صياغة صوت خاص داخل مشهد سريع التحوّل.
البدايات والأسلوب الكتابي
منذ بدايته، اتجه الناين إلى إصدار أعمال منفردة، لافتًا الانتباه بغزارة إنتاجه واستمراريته. وإلى جانب الراب والكتابة تعامل مع هذه الإصدارات بوصفها مساحة اختبار لصوته الفني، حيث تتقدّم الأغنية كوحدة متكاملة تقوم على الفكرة والحالة أكثر من اعتمادها على الصيغة التقليدية مثلما ظهر في إصدارات مبكرة مثل "معزوفة" و"صمت" الصادرة عام 2018.
على مستوى الكتابة، يميل الناين إلى أسلوب مباشر يستند إلى التجربة الشخصية دون اللجوء إلى التعقيد اللغوي أو الاستعراض المبالغ فيه والتبجح. يبني باراته على شكل جمل قصيرة تحاكي الإيقاع، مع حضور ثيمات متكررة مثل التوتر بين الحياة الواقعية وصورة الذات والشعور بالضغط والرغبة في الانسحاب المؤقت.
في أعمال مثل "تحت الأنقاض" عام 2020، تظهر محاولة لموازنة الداخل والخارج، بين ما يعيشه الفنان فعليًا وما يتوقع منه تقديمه للجمهور. هذه المقاربة تضع كتابته ضمن تيار الراب التأملي، حيث تصبح الحالة النفسية محور النص، متقدّمة على السرد القصصي المباشر أو منطق المواجهة المعتاد في الراب.
الإصدارات وبناء الهوية الإنتاجية
ظهر مشروعه بشكل أوضح مع ألبومه الأول "رحلة" الصادر عام 2021، وهو ألبوم طويل نسبيًا حيث ضم 21 تراك، ليكشف عن رغبة في التوسع واستعراض الحالات المختلفة التي يمرّ بها. لم يقدم الألبوم خط سردي واضح بقدر ما يجمع تأملات متفرقة في الطموح والقلق والعلاقة مع الوسط المحيط، ومحاولة إثبات الذات داخل مشهد في تطور مستمر.
شكّل الإنتاج الموسيقي جزءًا أساسيًا من هويته، إذ يتولى الناين في أعماله عملية صناعة البيت بنفسه. هذا الخيار يمنحه تحكم أكبر في المزاج العام للأغنية، ويجعل العلاقة بين النص والبيت علاقة طبيعية وصادقة. اعتمد على مساحات صوتية واسعة وتكرار مدروس، كما اهتم بالسامبلينغ في إصدارات مثل "سلام".
الهوية البصرية وتطور التجربة الموسيقية
جاءت هويته البصرية امتدادًا مباشرًا لهذا التوجه وهذه التجربة، حيث تميل أغلفة أعماله وصوره إلى البساطة والرمزية، مع حضور لعناصر مرتبطة بالعزلة والفضاء، أو الإحساس بالحركة المستمرة، بما ينسجم مع فكرة الرحلة المتكررة في مشروعه.
لا يتعامل الناين مع الصورة بوصفها عنصر استعراضي مستقل، ويقدمها كجزء مكمّل للتجربة، لتواكب الجو العام للأعمال من دون أن يطغى عليها، وتبقى الموسيقى في المركز وتعمل العناصر البصرية كإطار داعم لها.
يمكن القول إن هذا النهج شهد تغير جديد مع ألبومه الثاني "انعكاس" الذي أصدره هذا العام 2025، حيث ظهر على غلاف الألبوم وهو يحمل قطعة زجاج مكسورة. اتجه الألبوم نحو صوت مختلف عن بداياته، مع اقتراب واضح من البوب والأفروبيتس، وبرزت الكلمات العاطفية بشكل أكبر في إصدارات مثل "الحال".
كما لم يتوقف الناين بعد ألبومه عن تقديم الإصدارات المنفردة، مفضّلًا التركيز على أفكار محددة وصياغتها في أعمال أقصر وأكثر تكثيفًا مثل "القناع" و"مقطوع الإرسال". تظهر نبرة أكثر هدوءًا وأحيانًا أكثر انعزالًا. كما شهد هذا العام تعاوناته أيضًا مع فنانين آخرين، من أبرزها مع أصايل وتي في أغنية "TAKE THE WIN"، ما جعل العام حافلًا بالإنتاج والتجارب الجديدة.
في سياق المشهد السعودي، يمكن النظر إلى تجربة الناين كجزء من تحوّل أوسع في طريقة إنتاج الراب وتلقّيه. هو لا يسعى إلى تمثيل خطاب جماعي أو تبنّي صورة نمطية للرابر، بل يركّز على بناء عالمه الخاص داخل هذا المشهد. ينسجم هذا الأسلوب مع مسار جيل جديد من الفنانين الذين يوسّعون تعريف الراب السعودي ليشمل تجارب أكثر تنوّعًا وهدوءًا يعكس انتقال الموسيقى من مرحلة إثبات الوجود إلى مرحلة البحث عن المعنى والاستمرارية.






