مع مرور الذكرى السنوية الأولى لرحيل الفنان الكبير عبد الكريم عبد القادر والتي تصادف 12 مايو/ أيار 2023، وبمناسبة ذكرى يوم عيد ميلاده، نستعرض سريعًا حكايات بضع أغاني تحضر في الذاكرة عند استحضار اسمه، من ضمن أرشيف كبير ضمَّ أكثر من ستين ألبومًا منذ نهاية الستينيات وعبر خمسة عقود تالية، وتعاونات مع عشرات الملحنين الذين غيرت إسهاماتهم بصوته شكل الأغنية الخليجية كما نعرفها اليوم.
آه يا الأسمر يا زين
طوال مسيرته الممتدة لعقود حرص عبد الكريم عبد القادر على التجديد وتقديم أنماط موسيقية متنوعة عبر التعاون مع ملحنين جدد في كل مرحلة. بعض هؤلاء الملحنين قدّموا له عشرات الأغاني، وبعضهم كان مرورهم في مسيرته سريعًا إلا أنه مؤثر. أبرز مثال على ذلك هو الملحن مصطفى العوضي الذي لم يحلن له سوى "خليك معي بالراي" و"آه يا الأسمر يا زين" التي كتب كلماتها يوسف ناصر، لتكون الأخيرة من أبرز اغاني مسيرته، بل ومن أبرز الأغاني السبّاقة التي خرجت من مشهد الأغنية الخليجية في نهاية الستينيات وطبعت اسم عبدالكريم عبد القادر بين الرواد. بقيت الأغنية حاضرة بقوة بعد عقود على صدورها، فعبر السنوات، قدّم نجوم الغناء العربي كوفرات مختلفة لها بأصواتهم للأغنية ومن أبرزهم الفنان محمد عبده، وماجد المهندس وإيمان الشميطي.
محال
كان أنور عبدالله بين آخر الملحنين الذي أضافوا لمسيرة لعبد الكريم عبد القادر، لكنه مع ذلك نجح بتقديم 45 لحنًا له. يذكر أنور عبدالله حين أتيحت له فرصة التلحين لعبد الكريم عبد القادر بناءً على اقتراح من الشاعر عبد اللطيف بناي، كان بغرض تقديم أغنية رياضية. كان أنور حينها شابًا يافعًا في يخوض تجاربه الأولى، وأربكه خوض تجربة التسجيل الأولى مع قامة فنية كبيرة. لاحظ عبد الكريم عبد القادر ذلك أثناء تسجيل الأغنية فتوقّف ليسأل الملحن عن توجيهاته أو ملاحظاته، وحين أربكه السؤال قال له هنا في الاستديو أنت الأستاذ وأنا المطرب، وأنا هنا لأتلقى توجيهاتك. من بعد هذه اللحظة الفاصلة، تعاونا ليقدّما سويًا "إلى مين" ثم "محال" التي حققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وتتالت بعدها تعاوناتهما بكثافة أكبر ليكون أنور عبدالله أكثر من لحّن لعبد الكريم عبدالقادر طوال مسيرته.
نامت عيوني
لا يمكن الحديث عن مسيرة عبد الكريم عبد القادر، وتجاربه المختلفة مع الملحنين، دون الحديث عن بصمته مع طلال مدّاح التي نقلته إلى درجة أوسع من الانتشار والشعبية. في لقاء صحفي مع عبد الكريم عبد القادر في التسعينيات صرّح قائلًا: "مازلت طالبًا في مدرسة طلال مداح"، والواقع أنه إلى جانب رموز غنائية مثل أبو بكر سالم، من أبرز من نهلوا من ألحان طلال مداح ما أغنى أرشيفهم وناسب أداءهم الصوتي الذي تالق في طبقات القرار. نذكر من ألحان طلال مداح له أغنية "نامت عيوني" التي كتبها الأمير خالد الفيصل بأبيات قصيرة متتالية بلا لوازم وتعابير وصور بليغة ببساطتها، فيما منحها طلال لحنًا مستسهبًا امتدَّ لأكثر من سبع دقائق. صدرت الأغنية في التسعينيات عبر فيديو كليب أخرجه غافل فاضل، ليكون بين الأغاني المصورة الكثيرة التي أصدرها الفنان الراحل خلال مسيرته، والذي كان سباقًا في تصوير الفيديوهات، رغم أنه من ناحية أخرى كان مقلًا في حفلاته في تلك الفترة معبرًا في أكثر من مناسبة أنه يفضل التسجيل في الاستديو على الغناء الحي.
لا خطاوينا
يتحدّث العديد من الشعراء والملحنين الذي تعاونوا مع عبد الكريم عبد القادر، وهم في بداية مشوارهم قبل تحقيق النجومية والجماهيرية معه، عن الخوف والإرباك الذين كانوا يشعرون به تعاوناتهم معه. كان شيء من ذلك رهبة اعتيادية لموهبة شابة في حضرة قامة فنية كبيرة، فيما ارتبط بجزء أكبر بمزاج عبد الكريم عبد القادر الفني بحد ذاته، فكان لا يسجل أغنية قبل أن يقتنع بشكل كامل بتفاصيل اللحن، ويتدخل في الكلمات ويطلب إعادة كتابة مقاطع منها، أو يهتم بمشروع اغنية أخرى فيبديها على العمل الحالي. تحدّث الشاعر محفوف ساهر من جانبه عن ذلك عند الحديث عن كواليس إصدار الأغنية الأيقونية "لا خطاوينا" التي لحّنها سليمان الملا. حين عرض الشاعر والملحن الأغنية على الفنان للمرة الأولى، اعتذر عن أدائها قائلًا أن جرأتها لا تناسبه. رضي الثنائي بقرار الفنان وانفضّا للعمل على أغنية أخرى قدّماها له وهي "ما أمنعك"، وحين نالت إعجابه تشجّعا لعرض "لا خطاوينا" عليه من جديد، ليفاجأهم هذه المرة بحماسته للأغنية ورغبته بتسجيلها مباشرةً على عكس رد فعله للاستماع الأول.
عاشق وظل صبري يطول
كان الشاعر عبد اللطيف بناي سببًا كذلك في اجتماع عبد الكريم عبدالقادر بالدكتور عبد الرب إدريس الذي كان يخطو خطواته الأولى في عالم الفن بعد تخرّجه من المعهد الموسيقي. تعاونا سويًا للمرة الأولى في أغنية "عاشق وظل صبري يطول" التي كتبها عبد اللطيف بناي، وحققت نجاحًا كبيرًا جعلت عبد الكريم يتمسك بعبد الرب إدريس الذي منحه موسيقيًا ما يبحث عنه ويوافق مزاجه. على عكس كل من تعامل معهم عبد الكريم بعد القادر وأخذ من كلامهم وألحانهم، كان التوافق في الذهنية والتوجه الفني الذي جمعه بعبد الرب إدريس يصل حد التطابق، ما جعلهما ينكبّان على تقديم الإصدارات المتتالية مثل "أعترفلك" و"باختصار" و"غريب". في الأخيرة، والتي كتب كلماتها بدر ورسلي، وجد عبدالكريم عبدالقادر وعبد الرب إدريس نفسيهما يتناغمان مع كلمة واحدة فقط من مسودة الكلمات، فبنا اللحن عليها وطلبا من الشاعر أن يعيد كتابتها بأكملها تاركًا فقط كلمة "غريب" من النسخة الأولى، ليقوم بالفعل بتقديم تصور جديد كامل للمقاطع.
جمر الوداع
مع الوصول إلى حقبة التسعينيات، حقَّق الفنان عبد الكريم عبد القادر شعبية متزايدة على المستوى العربي. كان خير شاهد على ذلك التكريم الذي حظي به في مصر، حيث حصدت أغنيته "جمر الوداع" جائزة الأسطوانة البرونزية ضمن النسخة الرابعة من مهرجان الأغنية العربية في القاهرة 1997. وحقق جائزة أخرى في نفس المهرجان في العام التالي عن أغنية "شخبارك" والأغنيتان من ألحان عبد الرب إدريس وكلمات عبد اللطيف بناي.