شهد يوم 9 ديسمبر 2025 سلسلة موسعة من الجلسات الحوارية والمحاضرات المتخصصة في قضايا الصناعة الموسيقية عالميًّا ومحليًّا، امتدت على مدار يوم كامل قُسّم بين القاعة الرئيسية وقاعة موازية، بمشاركة قيادات مؤسسات ثقافية دولية، خبراء اقتصاد إبداعي، باحثين في الموسيقى، ومسؤولين في القطاعين العام والخاص.
اليوم انطلق من رؤية واضحة: الموسيقى ليست نشاطًا ترفيهيًا فحسب، بل منظومة اقتصادية، وثقافية، وتعليمية تصنع قيمة عامة وتُصدّر هوية وطنية.
القاعة الرئيسية: تشكيل مستقبل الصناعة وبناء نموذج اقتصادي سعودي
استُهل اليوم بجلسة تسجيل واستقبال للحضور، أعقبها تقديم افتتاحي بعنوان: "المنظومة الثقافية ودور الموسيقى" قدّمه رئيس هيئة الموسيقى باول باسيفيكو، الذي تناول مستقبل الصناعة في المملكة ودور البنية المؤسسية في دعمها.
الجلسة الأولى: المبدع العالمي وبناء الثقافة ومستقبل المجتمع الموسيقي
بتقديم هارفي ماسون جونيور (Recording Academy) وبمشاركة المتحدثين:
مانويل أبود – الرئيس التنفيذي لـ Recording Academy
توريه كار – نائب الرئيس للعلاقات الإبداعية في Recording Academy
جي. آيفي – شاعر وفنان حاصل على Grammy، وعضو في Recording Academy
جوناثان يب – منتج موسيقي وكاتب أغانٍ في Recording Academy
نكيشا بايلي – نائبة الرئيس للتنوع والشمول في Recording Academy
هذه الجلسة تناولت مستقبل المبدع العالمي، وكيف أصبح الفنان اليوم صانع منظومات لا مجرد صاحب محتوى، حيث تطرقت الجلسة إلى بناء المجتمعات عبر الموسيقى، السوق الرقمية وثقافة المشاركة، وكيف يُبنى الحضور العالمي انطلاقاً من بيئات محلية
الجلسة الثانية: الحقوق والعوائد والتمثيل: لبناء اتفاقيات نموذجية للسعودية
أدار الجلسة المحامي غريغور براير (Reed Smith)، وإلى جانب المحاورين:
بيتر ليثم – الرئيس التنفيذي لـ PPL UK
آرين مولِما – عضو مجلس إدارة في CIAM (التحالف الدولي لمنظمات المؤلفين)
هدى الفردوس – الرئيسة التنفيذية للاستثمار في شركة سارات للاستثمار
سلّطت الجلسة الضوء على كيفية تأسيس بيئة حقوقية عادلة وشفافة ضمن مرحلة تنظيم القطاع الموسيقي محليًا. قدّم آرين مولِيما قراءة حديثة لسلوك الجمهور تجاه الاستماع الرقمي، مؤكّدًا أن الوعي الجديد بصناعة الموسيقى جعل الجمهور يعتبر الاستماع عبر المنصّات الرقمية وسيلة لدعم الفنانين ماديًا ومنحهم عوائد عادلة، بل وأشار إلى أن الجمهور بات “يستخدم البث كنوع من احترام الفنان”.
وفي سياق الحديث عن العملية التعاقدية، أوضحت هدى الفردوس أن هناك وثائق جاهزة تساهم في تسهيل الإجراءات على الفنانين والمنتجين، وقالت: "هناك الكثير من المستندات الجاهزة المنشورة عبر هيئة الملكية الفكرية، ولدينا بالفعل نماذج موحّدة تتناسب مع البيئة المحلية."
وعند طرح سؤال حول أبرز التحديات المتوقعة مستقبلًا، أجاب بيتر ليثَم بأن التحدي الأكبر يكمن في تثقيف السوق، وتحديدًا فهم الترخيص والحقوق. وأشار إلى أن مرحلة التطبيق عادةً تمرّ بجدل قانوني قبل أن تستقر المنظومة، مؤكدًا ضرورة رفع وعي الفنانين والمؤسسات حول تسجيل الحقوق وإدارة العوائد.
الجلسة الثالثة: مسارات تصدير الموسيقى وبناء فرص عالمية
بإدارة ويل بيج (Pivotal Economics) اجتمع المحاورون:
روان الفاسي – المديرة التنفيذية لـ مدل بيست ريكوردز
نويمي بلاناس – الرئيسة التنفيذية لـ WIN – شبكة شركات التسجيل المستقلة العالمية
جيجي أرابيا – الرئيسة التنفيذية لـ Heavy Arabia Entertainment
وشكّلت هذه الجلسة مساحة للكشف عن العمق التاريخي للمشهد الموسيقي السعودي.
أوضحت جيجي أرابيا، التي أعلنت خلال الجلسة تولّيها إدارة منتدى مديري الموسيقى في المملكة، "لسنا جددًا على هذا القطاع. الموسيقى السعودية موجودة منذ زمن، واليوم فقط نستطيع مشاركتها مع العالم."
وأكدت أن التصدير لا يقتصر على العمل التجاري بل على إظهار الثقافة صوتيًا للعالم. على جانب آخر، ناقشت روان الفاسي أهمية الحفاظ على الفوارق المحلية أثناء التوسع، مؤكدة:“تصدير الموسيقى هو تصدير ثقافة. ما نعمل عليه هو أن نبقى متميزين، ولكن بطريقة تجعل الآخرين قادرين على سماعنا وفهمنا.”
وقد تطرقت إلى التحولات الجمالية في مشهد الهيب هوب السعودي مشيرة إلى ظاهرة هوبي HOBY Music، والتي تتضمن دمج الإيقاعات الخليجية في صوت عالمي حديث، في واحدة من أكثر التحولات الموسيقية نضجًا في المنطقة.
فواصل موسيقية وثقافية
تضمّنت الفواصل الموسيقية والثقافية توقيع شراكة رسمية بين هيئة الموسيقى وSteinway & Sons على المنصة الرئيسية، تلاها عرض حي لبيانو عزف ذاتي قدّم تجربة سمعية وبصرية مميزة، كما برز حضور العازف محمد حسن السرحان، الفائز بالمركز الأول في أول نسخة من Lang Lang Summer Piano Workshop 2025، ما يعكس صعود مواهب سعودية شابة على الساحة العالمية.
الجلسة الرابعة: شراكات القطاع العام وتحقيق الأثر
قاد الجلسة الرابعة ستيفن مايستر من هيئة الموسيقى، بمشاركة هيئة الموسيقى متمثلة في رئيسها التنفيذي باول باسيفيكو، وغيدو زيمرمان، الرئيس التنفيذي لشركة Steinway & Sons، ومنار العتيق، الرئيسة التنفيذية لجمعية الموسيقيين.
تناولت الجلسة نماذج حوكمة القطاع، ودعم المؤسسات الحكومية للمواهب، إلى جانب تطوير منظومات مهنية مستدامة، والبحث في صياغة شراكات تُوظّف العصارة الإبداعية لصالح مصلحة مجتمعية عامة، وكيف يمكن جعلها شراكات مستدامة، قال باول باسيفيكو: "من السهل توقيع عقد شراكة، من الصعب جدًا تحقيق الأثر المرجو منه على نحو مستدام". وتابع قائلًا: "لا يمكننا القيام بذلك إلا من خلال الشراكة مع جهات من القطاع الخاص مثل شركة ستاينواي، لكن هذه الشراكة لا يمكن تفعيلها إلا بوجود شركاء من القطاع الثالث، مثل منانا وجمعية الموسيقيين. فالأعضاء في الجمعية هم من سيخُرج هذه الشراكة إلى حيّز التنفيذ فعليًا. نحن نستطيع وضع الهيكلة، توقيع العقود، تمويل البرامج، وصياغة السياسات، وهذا دورنا. Steinway يمكنها تقديم الأدوات والتدريب، لكن العنصر المحوري هو الناس. الناس هم المكوّن الأساسي.
الجلسة الخامسة: الذكاء الاصطناعي: ماذا بعد؟
قاد الجلسة الخامسة فيصل حجازي من وزارة الثقافة.، بمشاركة
تود دبلر – نائب الرئيس للشؤون الحكومية في Recording Academy
هازل سافج – الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة Syntho
عمر الشبعان – المؤسس والرئيس التنفيذي لـ The Space
فؤاد النزاوي – المؤسس والرئيس التنفيذي لـ Lamarka
مثّلت هذه الجلسة أكثر أجزاء اليوم تقدمًا واستشرافًا للمستقبل، حيث قال عمر الشبعان في مداخلته:
"في مجال التكنولوجيا الموسيقية، هناك فرصة لتعزيز ليس فقط المنتج النهائي، بل تجربة الفنان والجمهور، مثل معرفة ما يريده الجمهور أو تحسين تفاعل الفنان مع مستمعيه."
القاعة الموازية: الموسيقى في المجتمع، التعليم، والقيمة العامة
شهدت القاعة الموازية برنامجًا متسلسلاً ركّز على الموسيقى كقيمة اجتماعية وثقافية وتربوية. افتُتح اليوم بكلمة لجوزيف بوليسي من معهد جوليارد، أبرز فيها الدور التاريخي للموسيقى في خدمة المجتمع. تلتها كلمات رئيسية متنوعة، قدّم خلالها ماتيس تارنوبولسكي رؤية حول الموسيقى كقوة للخير، ودورها في تعزيز الصحة النفسية والانسجام الاجتماعي وحماية التراث الصوتي، فيما تناول ماثيو لودن الأبعاد المدنية للمؤسسات الموسيقية ومسؤوليتها في دعم التعليم وتطوير المهن الموسيقية.
أما البروفيسور ريتشارد كورث فركّز على القيادة الثقافية ودور الموسيقى في تشكيل الخطاب الاجتماعي وبناء الذائقة الجمالية. واختُتمت الجلسات بحوار موسع أدارَه بنجامين سوسلاند، ناقش سُبل بناء منظومات تعليم موسيقي مستدامة تشمل تدريب المعلمين، تطوير المدارس، وإشراك الجمهور، مؤكداً أن ازدهار الموسيقى لا يتحقق بالأعمال فقط، بل بالأجيال الجديدة التي تتلقاها وتمتلك أدوات إنتاجها.






