ربما يصعب الاستماع إلى مشعل الرسن دون أن تستوقفك عذوبة صوته. جرعة مشاعر أتت من تجارب مختلفة صقلت موهبته. ورغبة واعية لصناعة موسيقى تراهن على التجديد لا على المعادلات الموسيقية المعتادة.
قبل أيام قليلة أصدر مشعل أغنية "حالي". كلمات عبدالله الفقيه، وتوزيع رامون. مزج فيها بين إيقاعات الأفرو بيت والوتريات الشرقية، في توليفة موسيقية غير مألوفة لكنها أنيقة. هذه المغامرة الصوتية ترافقت مع هوية بصرية ذكية نفذها المخرج مروان طارق، حيث التقط مشاعر التيه والفراغ بعد الفقد في كادرات واسعة تمدد الزمن بين الصباح والمساء لنقل شعور الملل. وسط طبيعة منطقة الفيوم الخلابة بعيدًا عن صخب العاصمة ومواقع التصوير النمطية. الفيديو بدا وكأنه ينقل مشاعر الأغنية أكثر من أن يشرحها
سردية شخصية متعددة اللهجات والأنماط
النقطة المركزية في النظر إلى مشوار مشعل هي تنقله الغنائي بين عدد من اللهجات والأشكال الموسيقية. فإلى جانب تنقّله بين الهاوس والموسيقى اللاتينية والأفرو استخدم لهجات متنوعة للغناء على تلك الألحان. على سبيل المثال في 2016 أصدر أولى أغنياته بعنوان "أيام"، كتب بعضها باللغة الإنجليزية. عكس ذلك تأثره بالموسيقى العالمية في التلحين والكتابة. كذلك ظهر تأثره بالموسيقى التركية في هذه الأغنية بوضوح، إذ استوحى اللحن "بعد سماعه لمقطوعة في أحد شوارع إسطنبول"، دمج بعدها العود والقانون مع توزيع غربي.
أيضًا غنّى باللهجة المصرية في أغنية "مش حرام" عام 2017 من كلماته وألحانه. كرر التجربة في "فرق كبير" التي كتبها أحمد العزب ووزعها هشام محمد، ليؤكد بطريقة غير مباشرة رفضه الانحصار في منطقة إبداعية واحدة من خلال الاعتماد على مهاراته فقط
طبيب في الصباح وموسيقي في المساء
هناك شيء شخصي تمامًا في تلك الجرأة التي يعتمد عليها مشعل في مشواره. تعلّق مشعل بالموسيقى الذي بدأ منذ طفولته، بالتحديد في المرحلة الابتدائية، إذ كانت المدرسة منبرًا للغناء حتى دراسته الجامعية، لم تجعله يتخلى عن التفوق الدراسي ودخول كلية طب الأسنان. بسبب ذلك أجّل احتراف الغناء بعض الوقت. ورغم أنه لم يتلق دراسة أكاديمية في الموسيقى إلا أنه حرص على تطوير صوته مع مدرب الصوت وديع أبي رعد، المعروف من برامج مثل "ستار أكاديمي" و"ذا فويس" و"آراب أيدول".
هذه الاستقلالية التي تجعل الغناء جزء من حياته العملية والشخصية لا تستحوذ عليه بالكامل قدمت إليه مع كل عشوائيتها جماهيريًا مساحة كبيرة من التحرر والجرأة للتنقل بين الاختيارات الموسيقية والأشكال اللغوية للغناء. شيء واحد يحكم اختياراته الفنية هي إحساسه الشخصي أنه يريد ذلك.
طرب خليجي للاستعراض وإثبات الموهبة
من المحطات اللافتة في مسيرته أغنية "ظروف الوقت" التي صدرت عام 2021 التي أظهرت قدرته على التعبير بصوت شفاف. الأغنية خليجية الطابع اعتمدت على الكمان والوتريات، وانتهت بعزف جيتار إلكتروني مفعم بالحيوية، اختار مشعل عدم تصوير كليب تقليدي لها بل استخدم جلسة تصوير هادئة مع كلمات الأغنية وكأنه يترك الفراغ لخيال المستمع
مع مطلع عام 2025 افتتح مشعل السنة بأغنية "أجمل أقداري" من كلمات عبد الله الفقيه وألحانه وتوزيع هشام محمد. قرر هذه المرة أن يمنح الهوية البصرية مساحة أكبر من الاهتمام؛ جاءت الأغنية أولى أعماله المصورة رسميًا ظهر فيها يغني بإحساس عميق تنقله الكاميرا بانسجام مع الكلمات.
تسرد الأغنية حكاية حب تبدأ من صداقة تُروى بأسلوب غنائي أقرب إلى الروايات وتقول لازمتها:" أيا حب محى الماضي / أنا المسجون والقاضي / أنا المختار في حبك / وإنت أجمل أقداري"،ويأتي العزف المنفرد على العود في منتصف الأغنية كمرآة شعرية لهذا الاعتراف العاطفي إذ يوازي الكلمات في رقته وعذوبته، مانحًا العمل بُعدًا تأمليًا يجعل التجربة السمعية والبصرية أكثر اكتمالا
جرأة تستحق الدعم
يراهن مشعل على الموسيقى للتعبير الجريء ليس مجرد منتج تجاري يحقق الشهرة. صوته العذب وجرأته في دمج الألوان الموسيقية وتطوره في بناء هوية بصرية خاصة جعلته من الأصوات الصاعدة التي تستحق المتابعة. رحلة لم يفقد فيها شغفه أو أصالته مع سعيه إلى التجديد. جعل من كل أغنية مساحة لتجريب الذات والبوح المختلف.






