في الرابع من يوليو / تموز، الذي يصادف اليوم الوطني الأمريكي، وكما أحيى حفلة الخروج من الخلوة "The Pop Out: Ken and Friends"، في يوم التحرير في التاسع عشر من الشهر الماضي، أصدر كندريك لامار أخيرًا كليب "Not Like Us"، كنوع من التذكير بأهمية الساحل الغربي في الثقافة الشعبية الأمريكية المعاصرة.
افتتح كندريك الكليب من المبنى الإداري لولاية كاليفورنيا، جاعلًا من "Not Like Us" سردية للبيف منذ بدايته، حيث يحدّث نفسه في الممر المظلم المهجور عن فائدة العزلة والتركيز مع الذات، قبل انتقاله لقاعة بيضاء تضم راقصين ويقودها المهرج تومي. بالحفاظ على شكل سينمائي للسردية، يطلب المهرج كلمة الدخول والتي تقدم الجملة الافتتاحية للتراك.
دون الخوض بإغراق في تفاصيل هذا المشهد، يمكننا ببساطة ملاحظة تركيز لامار على سردية الطالب المجتهد التي نعته بها دريك، فهو الرابر الواعي، والناشط السياسي، ولذلك كان متواجدًا تارةً خلال المشهد كفرد شديد التركيز مع بقية الراقصين فيما يبدو كغرفة صف، ثم في أركان القاعة مثل أي شخص مغترب عن الجماعة تارةً أخرى. لقد قد شارك في هذا العرض فقط من أجل أن يُخرس خصمه، وبين الضدين يبدو كندريك متسقًا تمام الاتساق مع نفسه.
ولم ينسى كندريك أيضًا جمهور الانترنت عبر مشهد يستغل الفيديو المنتشر له وهو يقوم بتمرين الضغط مرتديًا رداء أسود كامل على طريقة المساجين بينما يستمع لموسيقى كلاسيكية من الستينات. حول كندريك الفيديو إلى مشهد في الكليب حيث يظهر في غرفة لا يوجد بها إلا معدات تمرين الضغط وهي عبارة عن قوالب من الطوب كما في السجون، ومرتبة للنوم، وسماعات، دلالة على تعامل كندريك بجدية تامة مع البيف، كما أكد العديد من المحيطين به في لقاءات سابقة.
بالانتقال إلى مشهد تحطيم دمية لوجو شركة "أوفو" المملوكة من دريك، ثم لعبه للحجلة بينما الجمهور يردد كلمات اللازمة، فكّك لامار الزيف الذي يراه في سردية دريك، فهو لا يحتاج لتغيير البيرسونا خاصته ليواجهه، سيخرج ببيرسونا كندريك النيرد، وسيحقق معها الأرقام البلاتينية، وسيأخذ في طريقه للصعود أحد المنتجين الموسيقيين المحليين دي جي ماستارد وسينتمي الجمهور جمعًا إلى كلماته. يعطي تأثير الدرامز والغناء الاوركسترالي المنتمي لفرق الأوركسترا الجماعية إحساسًا بالانتشار والطغيان، فتلك الفرق تقدم كوفرات فقط لأغاني الأكثر انتشارًا وتأثيرًا من كُل الجُنرات.
لا يغيب الساحل الغربي من الكليب، ولا تطمسه ذاتية كندريك المليئة بالإشارات والاستعارات الثقافية أو الشخصية، سواء عبر التجمعات الضخمة في الشوارع، واستعراضات السيارات والدراجات النارية والبوغيز، والتي تعيدنا لكليبات فرقة N.W.A وتوباك وسنوب دوج ودكتور دري، وغيرهم من أيقونات الغرب. يأتي كل ذلك ليمثل الجانب الترفيهي من الولاية، مع لقطات من الميناء المليء بالحاويات، حيث يظهر لامار مرتديًا بذلة رجال أعمال نصف مهندمة، يسلط عبرها الضوء على مركزية وأهمية الساحل الغربي كمركز للأعمال، في إسقاط ساخر على بيرسونا رجل الأعمال الخاصة بدريك، فالساحل الغربي هو من ابتدع فكرة الفنان المستثمر في الصناعة الموسيقية والترفيهية الأمريكية.
كما لا تغيب رقصة الـ Crip walk الشهيرة، بحركة عرضية للكاميرا تتلاقى مع لقطات بورتريهية واسعة المنظور للوجوه في الكليب. ليست الرقصة هذه المنتج الغربي الوحيد، فمن بين كل المطاعم يختار لامار مطعم "Tam's Burger" كأحد مواقع تصوير الأغنية، وهو من أهم وأعرق علامات الطعام السريع بالولاية وربما الجزء الغربي من الولايات المتحدة كلها.
وُجدت في فيديو كليب التراك لحظتان مفتاحيتان اختتمتا كل فريمات واسكتشات الفيديو كليب بشكل متقن، اللحظة الأولى بينهما هي انضمام عائلة كندريك إليه في مشهد داخل غرفة بمنزلهم وهم يرقصون ويلعبون، بعدما تردد في دِس "Family Matters" عن وجود أزمات بينهم. والمشهد الثاني هو المشهد الذي فند فيه استراتيجية دريك الطفيلية على مشهد الهيب هوب الأمريكي، ليس فقط لرمزية وجود راقصين مقسمين لفرق ومقنعين بماكياج يشبه طلاء الوجه عند السكان الأصليين، بل لأن من يقودهم هو تومي المهرج بنفسه، تمثيلًا لفكرة عالم الترفيه، وللمال الذي يرمى في الأرجاء عبر المشهد، وحركة الكاميرا الخاطفة التي تنتقل بين الفريقين.
قام كندريك بإخراج الفيديو كليب بالاشتراك مع ديف فري، وأشرك في الأداء وفي الظهور وجوه شهيرة من أصدقائه يا جي، ورودي ريتش وراندون تي جاكسون وهيت بوي وبيج ليت، مع حضور مميز وأدائي بوجه عدواني للاعب كرة السلة الخارج من الضواحي الفقيرة ديمار دي روزان، ليؤكد كندريك أنه لا يوجد ما هو أكثر كلاسيكية من "اللمة". كما منح البيف النهاية المثالية، عبر ما يمكننا اعتبارة اللحظة المفتاحية الثانية للكليب، والتي فند فيها عبر الصورة كما عبر الكلمات، استراتيجية دريك الطفيلية على مشهد الهيب هوب المحلي، مضمّنًا شخصية المهرج كرمزية لعالم الترفيه، الذي ظنَّ جمهور دريك أنه يتزعمه، قبل أن يعود كندريك ليعيد كتابة هذه السردية على طريقته.