مع إصدارها ألبوم "LUX"، بدا واضحًا أن روزاليا تدخل مرحلة جديدة في مسيرتها الفنية؛ مرحلة أكثر نضجًا وتجريبًا وجرأة من كل ما قدّمته سابقًا. فبعد النجاح العالمي لألبومها الماضي "Motomami"، توقّع كثيرون أن تواصل روزاليا استثمار صيغة البوب اللاتيني المعاصر، لكنها فاجأت الجميع بعمل مختلف تمامًا، يقوم على تعدّد اللغات والبناء الأوركسترالي والرمزيات الروحية.
ومع الساعات الأولى لإصداره، حقّق الألبوم انتشارًا واسعًا عالميًا، وحصد خلال أسبوعه الأول المركز الرابع في قائمة Billboard 200 للألبومات، ما شكّل مؤشرًا قويًا على تحوّل روزاليا إلى اسم مؤثر في ساحة البوب العالمية.
وتحوّل الألبوم سريعًا إلى موضوع نقاش واسع في الصحافة الثقافية عالميًا، إذ رأى فيه النقّاد عملاً طموحًا يخلط بين الموسيقى الكلاسيكية والبوب التجريبي، ليقدّم تجربة شبه سينمائية أو شبه طقسية أكثر من كونه ألبوم بوب بالمعنى التقليدي.
إليكم 6 معلومات عن ألبوم "LUX"، الذي يشكّل علامة فارقة، لا بمسيرة روزاليا وحسب، بل في البوب اللاتيني عمومًا:
عنوان الألبوم: معنى مركب بثلاث طبقات لغوية وثقافية:
يحمل عنوان "LUX" ثراءً بالدلالات، لأن الكلمة تتقاطع بين ثلاث لغات وثقافات مختلفة لتركب المعنى بمستويات ثقافية متعددة:أولًا، في اللاتينية، وهي الجذر الأساسي للكلمة، و"LUX" فيها تعني النور أو الصفاء، وهي كلمة ذات حمولة روحية وطقسية، استخدمتها الكنيسة الكاثوليكية في تراتيل مثل "Lux Aeterna" (الضوء الأبدي). اختيار روزاليا لهذه الكلمة ينسجم مع العمق الروحاني العميقة في الألبوم.
ثانيًا، في الكتالانية، اللغة الأم لروزاليا التي نشأت في برشلونة، تحمل الكلمة معنى قريبًا من "النور" أيضًا، لكنها ترتبط في الاستعمال الأدبي والصوفي بالمعرفة والنجاة والتحوّل الداخلي.
ثالثًا، في الفرنسية، فهي تطابق لفظًا كلمة "Luxe"؛ التي تعني "الفخامة" والتي تستخدم بذات المعنى بالكثير من اللغات العالمية المتأثرة بالفرنسية. والمعنى الفرنسي تستثمره روزاليا لتقديم رسالة عن الألبوم بأنه تجربة سمعية وبصرية فاخرة؛ بالمعنى الفني.
وبهذا تصبح كلمة LUX عنوانًا مكثّفًا يجمع بين نور الروح وجذور الهوية وجمالية الإخراج والفخامة، في ثلاث لغات تكمّل بعضها بعضًا.
التنوّع اللغوي: ألبوم يتكلّم لغات العالم
واحدة من أكثر ميزات "LUX" إثارة للانتباه هي رهانه الجريء على التعدّد اللغوي. روزاليا تغنّي هنا بـ 13 لغة، من بينها الإسبانية والكتالانية والفرنسية والبرتغالية والإنجليزية واليابانية واللاتينية والألمانية والإيطالية والعبرية والصينية والأوكرانية، بالإضافة للغة العربية. هذا التنوّع لا يأتي في شكل كلمات مبعثرة للزينة، بل في مقاطع كاملة وألحان معقّدة بنطق دقيق عملت عليه روزاليا لفترة طويلة حسب ما صرّحت في مقابلاتها.
على مستوى التجربة السمعية، يشعر المستمع أن الحدود بين اللغات تتلاشى؛ المهم هو الإحساس والإيقاع وطريقة خروج الصوت، لا فهم كل جملة حرفيًا. هكذا يتحوّل الألبوم إلى رحلة عبر لغات وثقافات متعدّدة، لكنه يحافظ في النهاية على هوية فنية واحدة واضحة تحمل توقيع روزاليا.
أربعة حركات: لا قائمة أغاني تقليدية
لا تتعامل روزاليا مع "LUX" كألبوم بوب تقليدي، بل كعمل كلاسيكي معاصر مقسوم إلى أربع حركات (movements)، لكل واحدة مزاجها وموضوعها الموسيقي والروحي. هذا البناء المستوحى من بنية السمفونيات والأوراتوريو يجعل الاستماع للألبوم أشبه بتتبّع قوس سردي طويل، يبدأ من العتمة والشك وينتهي إلى نوع من المصالحة مع الذات والنور، بما يتماشى مع الجذر اللاتيني لعنوانه.تقسيم التراكات على حركات يمنح روزاليا مساحة لتصعيد التوتر، ثم تهدئته، ثم إعادة بناء الطاقة من جديد. وبالتالي يمكن للمستمع أن ينظر إلى الألبوم كقطعة واحدة متكاملة، تعاد فيها الثيمات اللحنية واللغوية والرمزية بشكل متكرر، بأسلوب مسرحي.
بين الأوركسترا والتجريب: عندما يلتقي البوب بالموسيقى الكلاسيكية
سِمَة أساسية أخرى في "LUX" هي الحضور القوي للموسيقى الكلاسيكية: الألبوم مُسجّل مع London Symphony Orchestra وجوقات مقدسية مثل Escolania de Montserrat، ليكون مزيجًا ما بين الأوركسترا والبوب التجريبي والإلكترو بوب والفلامنكو. ولذلك يتم تصنيف الألبوم على أنه "أوركسترا بوب" أو "آرت بوب" أو "آفانت بوب"؛ وهي تسميات تعكس هذا التوتر ما بين النظام الصارم للكتابة الأوركسترالية والفوضى المحسوبة للتجريب الصوتي.
في بعض التراكات، تحتل الآلات الكلاسيكية، كالكمان والتشيللو والبيانو الواجهة، بينما تُستخدم الإيقاعات الإلكترونية كظل خلفي؛ وفي تراكات أخرى يحدث العكس، فتتحول الأوركسترا إلى موجة ضخمة تُغرق صوت روزاليا عند لحظات الذروة. هذا المزج يعطي الألبوم طبقات متعدّدة: يمكن سماعه كألبوم بوب روحي، أو كعمل شبه أوبرالي يجرّب طرقًا جديدة لتقريب القوالب الكلاسيكية من جمهور جديد.
الروحانيّة والأنوثة المقدّسة كثيمة مركزية
منذ الإعلان عن "LUX" كان واضحًا أن روزاليا تتحرّك هنا في مساحة أكثر روحانية وتأمّلًا من "Motomami"؛ ففي العديد من الحوارات الصحفية أكدت أن الألبوم مستوحى من نصوص دينية وفلسفية ومن سير قدّيسات نساء، وأنه محاولة لصياغة علاقة جديدة بين الفن والإيمان.
وفي أغاني الألبوم، تتجاور لغة الحب الرومانسي مع لغات الدعاء: الاعتراف والتوبة والغفران، هي الكلمات التي تلتقي فيها هذه المشاعر. وكأن الألبوم يختبر فكرة "الأنوثة المقدّسة": امرأة تُخطئ وتحب وتفشل وتنهض، لكنها لا تتخلى عن نورها الداخلي. فالألبوم هو رحلة عبر الضوء والإيمان وإعادة الولادة الفنية، وهو بمثابة سيرة روحية مصغّرة لروزاليا نفسها، حيث تتحوّل الخبرات العاطفية القاسية إلى مادة لأسئلة أكبر عن القدر والحرية.
عالم بصري وحسيّ موازٍ للصوت
لا يمكن الحديث عن "LUX" دون التوقف عند عالمه البصري. غلاف الألبوم تظهر فيه روزاليا بثوب أبيض يشبه ثوب الراهبات، بعينين مغمضتين وشفاه ذهبية، تعانق نفسها وكأنها بين العزلة والحماية. يمكن قراءة إشارات مزدوجة في الألبوم، إلى القداسة والاختناق.
إلى جانب الغلاف، نظّمت روزاليا حفلات استماع خاصة خالية من الهواتف، في متاحف وقاعات فن، تقدَّم فيها الموسيقى مع إضاءة موجهة وروائح وصوتيات محيطة، لتحويل الاستماع إلى تجربة حسّية كاملة.في العروض الحيّة والظهور الإعلامي، تستمر الهوية نفسها من خلال أزياء مسرحية، طبقات من التول والدانتيل، وحضور بصري يمزج الإنجيلي الملائكي مع لمحات مشاكسة. وبهذا الشكل لا يعود الألبوم مجرد صوت، بل مشروع فني متكامل، حيث الصورة والديكور والأداء الجسدي تكمل ما تقوله الموسيقى عن النور والتحوّل والبحث عن ذات جديدة.






