منذ ظهورها الأول على الساحة الفنيّة، استطاعت بيلي آيليش أن تحجز مكاناً خاصاً بها وحضوراً يختلف عن كل فنانات جيلها. فمنذ أن أطلقت أغنية Ocean Eyes عام 2015 وهي في الثالثة عشرة، بدأت مع شقيقها فينياس رحلة موسيقية خارجة عن المألوف، تمزج بين الروك البديل، البوب الإلكتروني، الساوندتراك السينمائي، وتقدم صوتاً دافئاً يهمس أكثر مما يصرخ، لكنه يرسخ في الآذان. هي أول فنانة من جيل الألفية تتصدّر قوائم Billboard 200 لأكثر من مرة، مع أغانٍ مثل Birds of a Feather وWhat Was I Made For?، وتحمل في جعبتها تسع جوائز غرامي.
هذا النجاح لم يقتصر على فنّها وموسيقاها فحسب، إنما ظهر جلياً في خياراتها الجريئة في الموضة. وفي الوقت الذي كانت فيه نجمات البوب يتألّقن بأزياء أنثوية مكشوفة ولامعة، فاجأت بيلي العالم بملابسها الفضفاضة وإطلالاتها "الصبيانية" غير المألوفة.
خيارات تتخطّى حواجز الموضة
لطالما ارتبطت صورة بيلي آيليش بالملابس الواسعة والأنماط المستوحاة من أزياء الشارع، لكن هذا الأسلوب لم يكن مجرد توجّه عابر، بل كان بمثابة درع واقٍ تحتمي به من نظرات الآخرين وأحكامهم، وتحافظ من خلاله على خصوصيتها. وهذا بالفعل ما صرّحت به بشكل صريح في حملتها الإعلانية التي شاركت فيها مع علامة كالفن كلاين تحت عنوان I Speak My Truth in #MYCALVINS، حين قالت: "لا أريد أن يعرف العالم كل شيء عني.. لهذا السبب أرتدي الملابس الضخمة والفضفاضة. لا أحد يمكنه أن يُبدي رأياً، لأنهم لم يروا ما يوجد تحتها".
وفي أكثر من مقابلة، تحدثت بيلي عن معاناتها مع شكل جسمها، وعن محاولاتها الكثيرة لخسارة الوزن في سن مبكرة والتي تسبّبت لها في بعض الأحيان بمشكلات صحيّة، فكانت الأزياء الفضفاضة وسيلة لبناء مسافة آمنة بينها وبين عدسات الكاميرات وانتقادات الجمهور والصحافة.
هذه الروح المتمرّدة، سعت بيلي دائماً إلى التعبير عنها بصراحة وجرأة، حتى وصل بها الأمر إلى استخدام المسرح كمنصّة لتوجيه رسالة قويّة ضد التنمرّ الجسدي. ففي جولتها العالمية Where Do We Go? عام 2019، ظهرت بيلي في إحدى الحفلات وهي تخلع ملابسها تدريجياً وتتساءل بصوت هادئ عن حق الآخرين في إصدار الأحكام على أجساد النساء، مؤكدة أن مظهرها ليس معياراً لقيمتها، وأنها ترفض أن يُختصر وجودها في شكلها الخارجي، بل فيما تقدّمه من موسيقى وفن وموقف.
وفي عام 2021، وبعد النجاح الساحق لألبومها الأول، قرّرت بيلي أن تجرّب لوناً جديداً ليس فقط في الموسيقى بل في الموضة أيضاً. ظهرت بإطلالة أنثوية لافتة على غلاف مجلة فوغ البريطانية، وفي إطلالة أخرى جريئة بفستان لافت على سجادة الـ Met Gala. وقد برّرت بيلي هذه الإطلالات بقولها: "أردت أن أفاجئ الجميع، أن أُربكهم. أن أُثبت لنفسي أنني أستطيع أن أكون كل شيء في الوقت نفسه."
لكن هذا التغيّر المفاجئ لم يدم، فسرعان ما عادت النجمة الشابة إلى الأزياء الفضفاضة في ألبومها الأخير Hit Me Hard and Soft الذي أطلقته في مايو 2024، لتؤكد من جديد أن الراحة النفسية والتصالح مع الذات هما الأساس بالنسبة إليها، وأن أسلوب الـOversize لم يعد درعاً واقياً، بل بات جزءاً من هويتها الفنيّة الناضجة والمتصالحة.
من صرخة تمرّد إلى صيحة عالمية
ما بدأ اختياراً شخصياً وتمرّداً على المعايير والأحكام التي يفرضها الآخرون، تحوّل إلى علامة فارقة وصيحة تركت تأثيرها الكبير في الموضة. إذ لم تمضِ فترة طويلة حتى أصبحت الملابس الفضفاضة أسلوباً تتبعه ملايين الشابات حول العالم، سواء بسبب الإعجاب ببيلي أو لتبنّي فكرها الرافض لمعايير الجمال النمطية. وبينما كانت نجمات البوب يسعين لتأكيد أنوثتهن بالمظهر، جاءت بيلي آيليش لتتحدّى القواعد وتغيّر معايير الجسد المثالي. الإطلالات الفضفاضة التي اختارتها في بداياتها، من التيشيرتات الواسعة إلى السراويل الضخمة والسلاسل الثقيلة والأحذية الرياضية والضخمة... لم تعد مجرد ستايل عابر، بل أصبحت لغة بصرية تمثّل جيلاً بأكمله وتُلهم أهم مصمّمي الأزياء.