يحتل فيلم "Sinners" للمخرج ريان كوجلر ساحة الجدل النقدي السينمائي العالمي والأمريكي، خاصة مع تحقيق مبيعات قياسية في أول أسبوعين من طرحه بالسينمات حول العالم، وسط هذا الجدل يأتي الشريط الموسيقي كأحد أهم العناصر المتناولة، خاصة بتوافق خلطته مع خلطة الفيلم غير المسبوقة، ما دفع المخرج سبايك لي لإطلاق وصف الجنرا الجديدة عليها.
استعان كوجلر برفيق نجاحات مسيرته، المنتج الموسيقي لودويدج جورانسون، حيث سبق لهما العمل على افلام شديدة الخصوصية ثقافيًا، والمرتبطة بالثقافة الأفريقية الأمريكية، مثل "Creed" و "Black Panther"، ونجحا في نقل الظروف القاسية للضواحي الفقيرة الحاضنة للملاكمين في بداياتهم، وحتى صعودهم للنجاح، كما رسما سويًا العالم الخيالي لواكاندا وبلاك بانثر كبطل خارق أفريقي أمريكي بارز.
خليط متجانس
هذه المرة، قبل جورانسون تحدٍ فريد ومختلف من نوعه، فالفيلم يخلط بين جُنرات الخيال العلمي والرعب والتشويق والظواهر الخارقة للطبيعة والدراما التاريخية، مع وجود أجزاء من الفيلم تنتمي لأجواء أفلام الميوزيكال، كل ذلك من منظور أفريقي أمريكي بلمسة ويستيرن.
تعامل المنتج الموسيقي الحائز على الأوسكار عن موسيقى فيلم أوبنهايمر مع هذا الخليط بذكاء شديد، مازجًا بين موسيقى الويستيرن التقليدية، والإيقاع الحركي السريع للجاز، مع وجود مساحة للانتقالات الناعمة والسلسة، فيمكنه القفز بين إيقاع ويستيرن خالص للسايكيديليك روك، أو لحن الهيب هوب البسيط، أو الإيقاعات السريعة المتتابعة للأفرو بوب دون أن يشعر المتلقي بالانزعاج.
ومن الثيمات الأبرز لموسيقى الفيلم، هي القدرة على خلط ايقاع رتيب مثل الويستيرن، بالأوتار العنيفة المتسارعة والنوتة العالية للروك، والتي برزت في مشهد الصراع مع مصاصي الدماء والصراعات النفسية العنيفة الناتجة عن الألعاب الذهنية التي لعبتها القوى الشريرة مع أبطال الفيلم.
تعاونات اختيرت بعناية
يصف كوجلر حماس بعض الفنانين للمشروع في بودكاست "The Breakfast Club" ضاربًا مثال برود ويف، مؤدي الأغنية الرئيسية للفيلم "Sinners"، ليوضح أن الأخير فرغ من كتابتها في ليلة واحدة من مشاهدة الفيلم.
نستشعر الحيوية والطزاجة في أصوات أغلب المغنين المشاركين، والتي توافقت مع إنتاج جورانسون لأغلب الأغاني بنهج مبتكر، آخذًا كامل الحرية في التجريب حينًا، أو إعادة التوزيع حينًا أخرى، لأغانٍ أيقونية مثل الأغنية الأيرلندية التراثية الشهيرة "Rocky Road to Dublin"، والتي يتحول إيقاعها الرئيسي لإيقاع أكثر تصاعدًا ودرامية باستعمال تأثيرات أوركسترالية بالخلفية .
وتضيف الموسيقى حِلة كاملة من الاختيارات الموظفة بعناية بين الجاز والبلوز والجوسبل، بل والهيب هوب متمثلًا في سينث الجي فانك، والذي ظهر جليًا في "I lied to you" لمايلز كيتون. واستمدت التجربة الموسيقية من أصوات المغنين وجنراتهم في إثراء المشاهد وإضافة العمق والحيوية لها، حيث لعب تواجد الأغاني المكثف دورًا لا يقل عن الموسيقى المصاحبة، مع مشاركات كل من دون توليفر بصوته العذب بـ"Flames of Fortune" وجيمس بليك وطريقته القريبة من الترتيل في "Seaned" و عمق صوت الممثلة والمغنية هايلي ستاينفيلد في "Dangerous"، بإضافة لكلاسيكيات مثل "Pick Poor Robin Clean" و"Wang Wang Doodle".
بعد إيرادات تتخطى حاليا الـ 160 مليون دولار عالميًا، والـ120 مليون دولار داخل أمريكا، تتوجه الأنظار للفيلم خلال الأسابيع القادمة، لرصد أثره الثقافي والجماهيري، فهل يشكل نقلة نوعية تفتح حدود جديدة للتجريب الموسيقي عبر الأفلام، أم تخمد التجربة وتكتفي بكونها مبادرة مغامرة من مخرج وموسيقي طموحين؟