منذ أكثر من ثلاثة عقود، ترافق صوت نوال الزغبي مع لحظات الحب، الفرح، الحنين، وحتى الانكسار لجيلٍ كامل في العالم العربي. في يوم ميلادها، أردنا أن نحتفل بها بطريقتنا الخاصة: لا بقائمة أغاني أو تسلسل زمني لمسيرتها، بل بمشاعرنا كجمهور وكُتّاب عاشوا مع أغانيها.
طلبنا من فريق تحرير بيلبورد عربية أن يختار كلٌّ منهم أغنية واحدة قريبة إلى قلبه من أعمال نوال، وأن يخبرنا لماذا بالضبط تلك الأغنية؟ ولماذا تبقى، بعد كل هذه السنوات، حاضرة في الذاكرة والصوت والمزاج؟
أغلى الحبايب
صوت نوال الزغبي يمثل بالنسبة لي الطفولة وسنوات المراهقة المبكرة. لم يكن من السهل اختيار أغنية واحدة لها، لأنني في كل مرحلة، كنت أتعلق عاطفيًا بإحدى أغانيها، ابتداءً من "ولا بيهمني" و"عايزة الرد"، ومرورًا بـ"اللي تمنيته" و"عينيك كدابين"؛ لكني في النهاية اخترت "أغلى الحبايب" من ألبوم "ياما قالوا" الصادر عام 2006.
ما يلفتني بهذه الأغنية، كيف تُقدَّم نوال الزغبي هذه الجرعة العالية من العاطفة دون دراما زائدة؛ فلا يوجد صراع، فقط حضور ثابت لمشاعر مستقرة، وكأن الحب هو حالة ثابتة لا تغيرها أي معطيات. الأداء صادق والإيقاع بطيء بما يكفي ليمنح الكلمات مساحتها. ربما لهذا السبب، تبعث هذه الأغنية نوعًا خاصًا من الطمأنينة، يجعلها بالنسبة لي من أجمل ما غنّت نوال.
على بالي
في طفولتي، لطالما أذهلتني فيديو كليبات نوال الزغبي، التي كانت دومًا تسبق زمنها، وأغنية "على بالي" كانت أول مرة أرى فيها سريرًا طائرًا على شاشة التلفاز. المشهد دمغ في ذاكرتي.
ثم سمعت الأغنية من جديد قبل سنوات. لم تكن النوستالجيا التي تحركت مع تذكر اللحن هي فقط ما أذهلني، لكنني أعدت استيعاب تركيبة اللحن السهل الممتنع، الذي يرسخ في رأسي دون أن أنتبه كمرجعية لجماليات الأغنية اللبنانية الحديثة. بحثت بعد كل هذه السنوات عن اسم الملحن، فعرفت أنه زياد بطرس، وعرفت أن نوال في التسعينيات: تأنت، تذوقت، وانتقت لنفسها في تلك الحقبة أفضل الألحان التي يمكن أن تتاح أمام فنان.
نجوم السما
تظهر نوال الزغبي في "نجوم السما" بكامل وعيها العاطفي، من كلمات خالد منير وألحان محمد رحيم. لا تسعى إلى استدرار التعاطف بقدر ما ترسم حدودًا واضحة بين الذاكرة والكرامة. ما يُحسب لها هنا هو هذا التماسك النغمي والنصي، المدعوم بتوزيع حميد الشاعري الذي حافظ على نعومة المساحة الصوتية دون أن يجرّ الأغنية إلى استعراض درامي. في وقت كانت فيه الأغنيات العاطفية تميل إلى المبالغة عند بداية الألفية، جاءت "نجوم السما" كبيان هادئ يكتفي بالقوة الصامتة، ضمن ألبوم "طول عمري" سنة 2001.
ما ندم عليك
لو قرأت كلمات "ما اندم عليك" دون لحن، بلهجتها العامية وقوافيها المطلقة، لخُيّل إليك أنها موال حزين أو وصلة من الزجل الشعبي. ولربما ظننتها أغنية بكائية ثقيلة.
لكن ما إن تسمع أداء نوال الزغبي لها، حتى تجد نفسك أمام لحن مرح للغاية، وكليب مستوحى من أجواء هوليوود نوار Noir، تؤدي فيه نوال الدور بتسريحتها المميزة وبدلة زرقاء ستبقى محفورة في ذاكرة جيلها.
ومع ذلك، يظل دخولها المفاجئ والعشوائي مع الكورس هو اللحظة الأكثر أيقونية في الأغنية المليئة بالانتقالات المفاجئة والممتعة على مستوى اللحن والإيقاع والعرض البصري.
شو أخبارك
"دخلك شو أخبارك قلي/ اشتقلك إنتا اشتقتللي؟" بكلمات بقمة البساطة تبدأ واحدة من أجمل أغنيات نوال الزغبي "شو أخبارك" التي صدرت ضمن ألبوم "ياما قالوا" في بدايات عام 2006. بالنسبة لي يُعد هذا الألبوم من أبرز محطات النضج الفني في مسيرتها، حيث اتسمت اختياراته بالرقي والذكاء. ورغم جمال العديد من أغنياته، تظل "شو أخبارك" واحدة من أقرب الأغنيات إلى قلبي، فهي أغنية عتاب ناعم تدور حول مكالمة هاتفية بين حبيبين فرقتهما الأيام، لكن مشاعر الحب والحنين لا تزال حاضرة بينهما.
تكمن قوة الأغنية في كلمات أحمد ماضي التي تُحاكي الأحاسيس ببساطة وصدق، ويزيدها جمالا اللحن الذي وضعه نقولا نخلة والذي جاء منسجما تماما مع حالتها العاطفية. إنها من تلك الأغنيات التي تعبر عن العتاب الرقيق فتربت على قلبك بلطف في لحظات الانكسار، وتهمس لك بأن الحب وإن غاب لفترة أو ابتعد لا يزال يحمل في داخله أملا بالرجوع.
دلعونا
من أولى الأغاني التي قدمت لنا مروان خوري الشاعر والملحن، وحققت الشهرة لاسمه كصانع أغاني. إيمان نوال الزغبي بمروان في أوج نجاحاتها، سمح بتعريفنا في الوقت المناسب على المبدع الذي سيغرقنا بعدها بالإحساس والرومانسية.
حملت الأغنية رؤية جريئة وتصور جديد للـ دلعونا، إحدى أبرز ألوان الفلكلور في بلاد الشام، والتي تنتظم على إيقاعاتها الدبكات الشعبية الحيوية. فجاءت نسخة مروان عاطفية هادئة، عابرة للجغرافيا، وخارجة عن أي تصنيف موسيقي في تلك الحقبة.
مع ذلك، لا تلغي "دلعونا" مروان ونوال العنصر الراقص، فنجد نوال في الفيديو كليب تصطف مع فرق الراقصين أمام قلعة براغ، فيما تسمر الملايين في العالم العربي في نهاية التسعينيات أمام الشاشات يتابعون الفيديو كليب الجديد لنجمة في قمة ألقها.
اشترك في وضع هذه الاختيارات من فريق بيلبورد عربية كل من عمر بقبوق ولينا الرواس ونور عزالدين وهلا مصطفى ونورهان أبوزيد.