احتفالًا بمرور 25 عامًا على صدوره، نستعيد في المراجعة الكلاسيكية لهذا الأسبوع ألبوم حبيبتي والمطر لكاظم الساهر، الذي صدر في اليوم الأول من العام 1999. جاء توقيت الألبوم في فترة استحوذت فيها القصائد الفصيحة المُغناة على المناخ الثقافي الشعبي، حيث تأثر الشارع العربي برحيل الشاعر نزار قباني في منتصف العام 1998، وبدأت تنتشر أشرطة الكاسيت التي تجمع قصائده بأصوات المطربين الذين تعاون معهم، مثل ماجدة الرومي وأصالة وخالد الشيخ وفيروز ولطيفة. بالتالي كان توجه كاظم الساهر في هذا الألبوم طبيعيًا، وقد شغلت قصائد نزار حيزًا ثابتًا في ألبوماته التي أصدرها في التسعينيات، فكان أكثر من لحّن قصائد نزار وغنّاها، بمباركة من الشاعر نفسه.
هكذا كان المناخ العام مهيئًا لاستقبال ألبوم كاظم الساهر؛ وقد ترقب الجميع ردة فعله فنيًا على الحدث الأليم، وتوقع الكثيرون بأن يُصدر ألبوم كامل من كلمات نزار قباني. في مطلع سنة ١٩٩٩ لبى كاظم الساهر رغبة الجمهور بألبوم حبيبتي والمطر، الذي يتكون من تسع أغانٍ لحنها كاظم جميعها بنفسه، واستخدم في خمسة منها منها قصائد من أرشيف نزار قباني، إلى جانب قصيدتي لست فاتنتي لطاهر سلمان وتعبت لمانع بن سعيد العتيبة، وأغنيتي مشتاق وهي باللهجة العراقية والتي كتبها الشاعر الراحل كريم العراقي.
"أتحداكِ أن تجدي عاشقًا مثلي/ وعصرًا ذهبيًا مثل عصري"، يفتتح كاظم الساهر ألبومه بالتحديات، ليرسم في الأغنية الأولى الصورة التي يُريد تخليدها لنزار قباني، فهو الشاعر الذي رسم بكلماته العصر الذهبي للعشق والرومانسية الجريئة. بدا وكأن كاظم اختار هذه الصورة التي يرغب بتصديرها عن شخص الشاعر، علمًا أنه قد اختار قصيدة ممنوعةٌ أنتِ ضمن الألبوم ذاته، وعرض وجهًا آخر لنزار مع قصيدة كتبها في لحظات ضعفه. كتب نزار القصيدة عندما نال منه المرض وهزمه جسديًا، ولكن مُكابرته في اللحظات الأخيرة وتعبيره عن تفضيله العزلة على مُشاركة لحظات ضعفه مع من يُحب، هو الشعور الذي استوحى منه كاظم خط الألبوم كاملًا. جاءت الرسالة عبر اختيارات القصائد بأنه لا يجب يكون الدافع في الذكرى هو الوقوف عند اللحظات الأخيرة والتركيز على الرثاء، بل يجب تقديم نزار كما يُحب هو أن يظهر، شاعرًا عاشقًا نرجسيًا، يثق بأن أثره لن يُمحى، ويعرف كيف يُحب وكيف يبقى خالدًا في مخيلة كل من مر بحياتهم.
في الأغنية التي تحمل اسم الألبوم، حبيبتي والمطر، والتي استخدم فيها كاظم الساهر قصيدة عقدة المطر لنزار، تصعد إلى السطح مشاعر الحُزن مع التعبير عن الخوف من الفقدان. قد تكون كلمات القصيدة أجمل ما اختاره كاظم الساهر في الألبوم، ففيها يُرسم فصل الشتاء بقسوته وسحره ورومانسيته، ونعيش معها الأجواء التأملية وما ينجم عنها من تساؤلات ومراجعة للذات: "كيف أمحوكِ من أوراق ذاكرتي؟". يصرخ كاظم بالأسئلة الأخيرة ويرفع نسق الأغنية، التي لا تتمكن موسيقيًا من مجاراة جماليات القصيدة، على عكس قصائد أخرى لنزار في الألبوم ذاته، جعلتها ألحان كاظم أكثر جاذبية وسحرًا، مثل أكرهها وقولي أحبك. في أكرهها يرسم نزار قباني علاقة حُب مرضية، تتصارع فيها الرغبات ما بين الحب الشبق والغرور والتجبر، وتمكن كاظم من ترجمتها بلحن على مقام البيات، مع أداء مُعبر ومُبهر تقنيًا، بالارتفاع لطبقات عالية في القرارات والنزول إلى طبقة صوت منخفضة في الجواب، تعكس بجمالية تناقضات المشاعر وتقلبها.
أما أغنية قولي أحبك فهي الأكثر اكتمالًا في الألبوم، ففيها تتوفر كل العناصر الجمالية التي تجعلها من كلاسيكيات كاظم الساهر الخالدة. نستمتع لأكثر من ست دقائق بجمالية أشعار نزار قباني الغزلية والسمفونية الموسيقية، التي صنعها كاظم بتناغم شديد الإثارة بين الآلات الشرقية والغربية. زادها سحرًا استخدام صوتين متباينين في الكورال، الذي يفصل بين أصوات النساء التي تصل طبقة السوبرانو وبين جوقة الرجال التي ترسم إيقاع الأغنية الذي لا يخرج من الأُذن أبدًا.ولا يقل فيديو كليب الأغنية جمالًا عن باقي عناصرها، بوجود كاظم الساهر مع جوقة الفتيات اللواتي يرتدين فساتين الزفاف، ويتجولن ويرقصن في شوارع إيطاليا وبين معالمها السياحية، في لقطات سبّاقة من إخراج حسين دعيبس، حفرت مكانها في ذاكرة الجمهور العربي.
ومن بين أغاني الألبوم التي لم يكتبها نزار، نستمع إلى تعبت، ففيها يتم توظيف الأصوات المتباينة في الكورال بأفضل طريقة ممكنة، وخاصةً الجوقة النسائية التي تُضيف بتنغيماتها الجماعية تفاصيل جمالية للحن، ليبدو كقطعة أوبرالية كلاسيكية، تّنفس عن الحالة السوداوية والتأملات والتساؤلات الفلسفية، وتزيد من جاذبية الصور الشعرية.