بقي صوت عبير نعمة، الزاخر بأحاسيس الدفء والألفة، رهين الأغاني الفلكلورية والكلاسيكية والتجارب التي تُحسب على الموسيقى البديلة لوقت طويل، قبل أن تُقرر بشكل مُفاجئ عام 2019 أن تغزو مشهد البوب وتصدر عددًا من الألبومات مع يونفيرسال ميوزك. تضمّن ألبومها حكاية، أغانٍ عاطفية متحررة من الرصانة الخشبية التي أطرت تجربتها في مراحل سابقة، فتابعت على هذا المنوال، لتُصدر ألبومي بيبقى ناس وبصراحة، في عامي2021 و2022. أثبتت الألبومات الثلاثة أن صوت عبير نعمة هو أحد الأصوات النادرة القادرة على تقديم أغاني بوب شامية متكاملة، كأغنية بلا ما نحس التي صدرت ضمن ألبوم بصراحة بداية العام الماضي، وتعاونت فيها لأول مرة مع الكاتب والملحن نبيل خوري، ووزعها سليمان دميان. لاتزال الأغنية حاضرة بقوة على منصات الاستماع المختلفة بعد مرور قُرابة عامين على إصدارها، كما تظهر هذا الأسبوع على قائمة بيلبورد عربية هوت 100.
تتناول الأغنية موضوعًا مميزًا وواقعيًا وإن لم يكن نادرًا تمامًا في الأغنية العربية، وهو الشعرة التي تفصل ما بين الصداقة والحب، فيذكرنا بأغانٍ مضى على إصدارها قُرابة عقدين، مثل الكُتب العتيقة لراغب علامة وكُن صديقي لماجدة الرومي، أو حتى كرمالك لإليسا في وقت لاحق. تروي كلٌ من هذه الأغاني الحكاية من منظور فلسفي مُختلف تكثر فيه التنظيرات وإطلاق الأحكام الشمولية التي تستتر وراءها المشاعر الخاصة. غنت ماجدة مثلًا عن تضارب الرغبات ما بين الحب والصداقة، وعممت عدم القدرة على الاكتفاء بالصداقة كسمة مشتركة لدى كل الرجال الشرقيين. أما راغب علامة فبرّرَ موقفه من عدم تقبّل علاقة الصداقة بعد الحب باعتباره حقيقة ذُكرت في الكتب العتيقة.
بالمُقابل تبدو أغنية بلا ما نحس أكثرها رهافةً، ففيها تُغني عبير نعمة عن الخوف من انقطاع العلاقة مع الصديق/ المحبوب إذا ما تم الكشف عن المشاعر غير المُعلن عنها، وتعكس بمنتهى العذوبة المشاعر العميقة التي يدفنها عاشق يعيش قصة حب غير مُكتملة ومن طرف واحد. تتمكن عبير نعمة عبر أدائها من نقل حالة التردد ما بين الاندفاع للتعبير عن المشاعر والتحفظ عليها باستخدام طبقات صوت مُتباينة، ولاسيما مع ترديدها جملة: "بلا ما نحس" عدة مرات متتالية، فتصرخ مُندفعةً تارةً، وينكمش صوتها وينحسر مداه تارةً أخرى، وكأنها تُردد الكلمات بشكل آلي بينما تحسم في أعماقها قرارها الأخير.