بعد ما يقارب 8 سنوات منذ آخر مشروع منفرد لها، عادت ياسمين حمدان بألبوم جديد "بنسى وبتذكر"، صدر في 19 سبتمبر / أيلول 2025. يمثل الألبوم محطة مهمة في مسيرة حمدان، مؤكّدًا مكانتها كواحدة من أبرز الأصوات في مشهد الإندي في لبنان والمنطقة.
"بنسى وبتذكر": عن الهوية والاغتراب
تناول الألبوم ثيمات مرتبطة بالذاكرة والهوية والاغتراب، وكشف عن تطور ملموس في أسلوب ياسمين مع الحفاظ على الهوية التي ميزتها بالكتابة.
عكس الألبوم تجارب ياسمين الشخصية وطريقتها في مقاربة الواقع الاجتماعي والسياسي الأوسع في لبنان، حيث لا ينفصل عن مرحلة ما بعد انفجار مرفأ بيروت التي تركت أثر عميق فيها. يظهر هذا الارتباط بوضوح في أغنيات مثل "هون"، التي أطلقتها كعيّنة من الألبوم في فبراير مطلع هذا العام، إذ جاءت محمّلة بطاقة خاصة تجمع بين الحزن والتأمل والرغبة في استعادة المعنى من وسط الركام.
في المقابل، تعود ياسمين في "الحلوين الخسرانين" إلى ملامح من أسلوبها في ألبوم "الجميلات" لكن هذه المرّة بصوت أكثر انكسارًا، يوحي وكأن مفهوم الجمال قد اكتسب صورة جديدة أو أكثر وضوحًا بعد تجارب قاسية. هذه الفلسفة تمتد أيضًا إلى أعمال مثل "ضياع" و"مر التجني"، حيث يتحوّل الصوت إلى مرآة للهشاشة بقدر ما هو مساحة مقاومة، في توازن دقيق بين الأسلوب الغنائي والتجريبي.
التجريب الموسيقي واستعادة الذاكرة الغنائية
يعتمد الألبوم على التجريب الموسيقي بشكل أساسي، حيث تشارك ياسمين في جميع الإصدارات مع الموسيقي عمر حرب والمنتج الفرنسي مارك كولان. يبرز الإنتاج هنا كمساحة مفتوحة للبحث، إذ تتشابك الأصوات الإلكترونية مع الطبقات الإيقاعية والآلات الحيّة، لتخلق أجواء مشبّعة أحيانًا بكثافة موسيقية تتجاوز الكلمات نفسها، كما نلمس في "سبع صنايع" والأغنية الرئيسية.
كعادتها في استرجاع أغاني ذات قيمة ثقافية، تزور ياسمين فلسطين بصوتها وتستعيد ترويدة "شمالي". لم يقتصر الأمر على إعادة الغناء، بل تجاوزه إلى عملية تفكيك وإعادة تركيب، حيث تُلبس الأغنية بعد إلكتروني تجريبي، لم نسمعه في محاولات الاستعادة السابقة. كما تميّز صوتها بحضوره الهامس والممتد، إذ تتحكم في المساحات الصوتية بين الشفافية والحدة، لتخلق توازنًا بين الشجن الكامن في النص الأصلي والطبقات الحديثة التي أضافها الإنتاج.
الهوية البصرية بين الحضور والغموض
أمّا الهوية البصرية التي رافقت "بنسى وبتذكر" لا تقل كثافة عن مضمونه الموسيقي. في فيديو "هون" مثلًا، تتناوب الصور بين أبنية وحجارة تظهر وتختفي لتتلاشى في ملامح ياسمين، وكأن الذاكرة العمرانية والمكانية تتحوّل إلى جزء من الوجه الإنساني. في كليب "بنسى وبتذكر" تظهر مرسومة بطريقة كرتونية تركض خلف قطار يحمل عنوان الألبوم، مشهد يُحيل إلى فكرة الهروب من الزمن أو مطاردته في آن واحد.
يضيف غلاف الألبوم بدوره طبقة أخرى من الغموض، إذ يحمل صورة فتاة صغيرة يُحتمل أن تكون ياسمين نفسها، دون أي توضيح حاسم. هذا الالتباس يعزّز موضوع الألبوم الأساسي: تداخل الذاكرة الشخصية مع الجماعية، والحد الفاصل بين التذكر والنسيان.
أساسيات المشهد البديل: عن مسيرة ياسمين
تعود مسيرة ياسمين إلى أواخر التسعينات، حين أسست مع زيد حمدان فرقة Soapkills، التي كانت من أوائل من مزجوا الغناء العربي بالموسيقى الإلكترونية والتجريبية. ألبوماتهم مثل شفتك وأنت فين أصبحت أيقونية لدى جمهور المشهد البديل، وألهمت جيلًا كاملًا من الفنانين لتجربة أساليب جديدة وكسر الصورة النمطية للأغنية العربية.
ورغم انفصال الفرقة وانتقالها من بيروت إلى باريس، واستمرار تعاونها مع منتجين من خلفيات متنوعة، ظل صوتها وأسلوبها الخيط الثابت في مسيرتها، كما رأينا في ألبومها يا ناس وأغنيتها حل عام 2013، وصولًا إلى ألبومها "الجميلات" سنة 2017، الذي سجّل بين بيروت وباريس ولندن وجمع بين الحنين الشرقي والتجريب الصوتي والإلكتروني. قبل أن تغيب لسنوات عن المشهد تخللها تعاونات معدودة.
اليوم ومع عودتها بألبومها الجديد "بنسى وبتذكر"، تؤكد ياسمين حمدان مرة أخرى قدرتها على المزج بين الحنين إلى الجذور والتجريب المعاصر، بين الصوت الغنائي والهويّة البصرية، بين التجربة الشخصية والانخراط في الواقع الاجتماعي والثقافي. جاء الألبوم كمحطة فنية تعكس تطورًا مستمرًا في مسيرتها، وتعيد وضعها كإحدى الأصوات الأساسية في المشهد الإندي اللبناني.