عندما وقفت على خشبة مسرح حفلها في مدينة جدة الشهر الماضي بدا لها وكأنها في حلم. فهمَت أن الوقت قد حان لتستعيد نجومية نسيتها. لكن الجمهور لم ينسَ مايا نصري صاحبة واحدة من أقوى "هيتات" مطلع الألفية. فلماذا اختفت عن الساحة لما يقرب من 17 عامًا؟ وكيف عادت مجددًا؟
من يرى بدايات مايا نصري سيدرك أنها ولدت لتكون نجمة. انتقلت مع أسرتها من عكار في شمال لبنان لتردس التمثيل في جامعة بيروت. كان اسمها في هذا الوقت مايا حسام الأسمر، لكن هذا الاسم لم يرتبط بها في عالم النجومية. في عام 1999 خاضت منافسات برنامج اكتشاف المواهب" كأس النجوم"، وهناك قابلت "صانع النجوم" المخرج سيمون أسمر الذي أسماها "مايا نصري".
خطفت مايا الأنظار في "كأس النجوم" وهي تغني لليلى مراد، وتيقن أسمر أن هذه الفتاة الموهوبة يجب أن تدخل عالم الشهرة، فقدمها للمنتج محمود موسى صاحب شركة "ريلاكس إن" لينتج لها ألبومها الأول "أخبارك إيه؟" عام 2001.
النجاح برعاية حميد الشاعري
نجاح الألبوم جاء بفضل الموزع الموسيقي الكبير حميد الشاعري، الذي صاغ شكل موسيقي وغنائي مميز لمايا في ثمان أغنيات، ستٌّ منها باللهجة المصرية، كما غنى معها دويتو "عايش بيك" وكأنه يمنحها شهادة ميلاد معتمدة بصوته أيضًا.
ضم الألبوم أغنيات مميزة مثل "أخبارك إيه؟"، "يا واحشني"، "خليني بالجو"، و"ماذا وإلا". وشارك في صناعته أسماء مميزة من الملحنين والشعراء في مقدمتهم محمد حمزة، صلاح الشرنوبي ، محمد رحيم، محمد رفاعي.
وصورت مايا من الألبوم ثلاث أغنيات هي "أخبارك إيه؟"، "خليني بالجو"، و"يا واحشني"، فانطلق صوتها عبر شاشات الفيديو كليب.
شهرة كبيرة نالتها مايا نصري في وقت قصير، مما دفع شركة روتانا لالتقاطها عام 2003 مع انتهاء تعاقدها مع شركة "ريلاكس إن".
أنتجت روتانا ثاني ألبومات مايا بعنوان "لو كان لك قلب"، والمفاجأة أنه خلا من اسم حميد الشاعري صانع "خلطة" ألبومها الأول. وظهرت مع أسماء أخرى على مستوى التوزيع الموسيقي مثل طارق مدكور ومحمد مصطفى، وتعاونت لأول مرة مع الملحن عمرو مصطفى في أغنية "لو كان لك قلب"، وكرر محمد رحيم التعاون معها في أغنيتين أبرزهما "حبة حب". كما ضم الألبوم أيضًا أسماء مثل الملحن سمير صفير، والشاعر سعود الشربتلي الذي كتب لها أغنية باللهجة الخليجية هي "خوفي" .
من اللهجة المصرية إلى اللهجة اللبنانية
في عام 2005 أصدرت ألبومها الثالث بعنوان "إزاي تعرفني"، الذي شهد مساحة أكبر من الأغاني اللبنانية، لكنها حتفظت ببعض الأسماء المصرية مثل عمرو مصطفى، وتعاونت مع تامر عاشور كملحن لأول مرة.
صورت مايا أغنية "روح"، أفضل أغنيات الألبوم، والتي كتبها ولحنها مروان خوري، وكأنها ترد على الانتقادات التي وجهتها لها الصحافة اللبنانية بسبب تركيزها على الغناء باللهجة المصرية.
في هذا الوقت انهالت عروض التمثيل على مايا في مصر، فشاركت مصطفى شعبان بطولة فيلم "كود 36" عام 2006. لم يحقق الفيلم نجاحا كبيرًا، إلا أنه كان فرصة أوصلتها في العام التالي لفيلم أهم وأكبر وهو "خارج عن القانون" مع النجم كريم عبد العزيز، الذي حقق نجاحا كاسحًا في شباك التذاكر، فاتجهت بعدها للدراما التليفزيونية مع النجم خالد صالح في المسلسل الناجح "سلطان الغرام".
السقوط في فخ التمثيل
أصبح الغناء ثاني أولويات مايا نصري، ورغم ذلك أصدرت ألبومها الرابع "جاي الوقت" عام 2008 مع روتانا.
الألبوم لم يكن سيئًا على المستوى الفني، لكنه ضم 8 أغنيات كتبها 7 شعراء ، ولحنها 6 ملحنين وشارك في التوزيع 7 موزعين، عدد كبير جدًا يعكس تشتت في الرؤية الفنية رغم حضور أسماء هامة في الصناعة مثل نادر عبد الله ، ووليد سعد، ومروان خوري.
لم يحقق الألبوم نفس النجاحات السابقة، فبدأت الخلافات تنشب بينها وبين روتانا. رأت مايا أن الشركة لم تقدم لها الدعاية الكافية، وأنها تهتم بفنانات أخريات، بينما رأت روتانا أنها التزمت ببنود التعاقد وتركت الرؤية الفنية لمايا التي لم تحافظ على جودة اختياراتها السابقة، ناهيك عن تأخرها في تسليم الألبوم وانشغالها الدائم بالتمثيل .
سعت مايا إلى فسخ تعاقدها، لكن روتانا رفضت، فقررت التوقف عن الغناء والاتجاه إلى التمثيل لحين انتهاء مدة العقد. وبالفعل اندفعت للمشاركة في مسلسلات وأفلام لم ينجح أغلبها على المستوى الجماهيري مثل فيلم "الديكتاتور" و مسلسل "وكالة عطية".
وفي عام 2010 تزوجت مايا المخرج المصري إيهاب لمعي، وتفرغت لتأسيس عائلة فأنجبت ثلاثة أطفال. واستمرت في طريق التمثيل، فشاركت في مسلسلات "سر علني" و "من كل قلبي" و "رجال الحسم". وبعد فترة انتقلت للإقامة مع زوجها في بيروت، لكنها لم تفكر جديًا في العودة للغناء.
الهروب من الاكتئاب إلى جنة العائلة
في برنامج "ستار دوم أون"، تقول مايا إن هذا التنقل كان له أسباب نفسية: "أنا عملت قصص كتير بحياتي، ولما لقيت شي بيعطيني دوبامين أكتر سواء كان تمثيل أو غناء عملته"، مضيفة أن إصابتها باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) "جعلني مرتبكة طوال الوقت في قراراتي، أغير وجهتي من الغناء للتمثيل ثم أفضل الاعتزال والتفرغ لعائلتي، ثم أخطط لتأسيس مشروع للطبخ وأتوقف".
منذ فترة تلقت مايا اتصالًا من إحدى الجهات المنظمة للحفلات في المملكة العربية السعودية. لم تصدق في البداية أنها مطلوبة في حفل، لكنها تلقت رسالة مفعمة بمشاعر الحب تطالبها بالعودة لجمهورها. لحظة تركت فيها أثرًا بالغًا. اتصلت بزوجها وأخبرته بما حدث. تقول: "أنا كنت ببكي وهو كان عم يبكي.. وقال لي صدقتي إنه الناس بعدا بتحبك؟".
سافرت مايا نصري إلى جدة وصعدت إلى خشبة المسرح، وغنت "أخبارك إيه حبيبي"، وتفاعل معها الجمهور ليمنحها قبلة الحياة الغنائية مجددًا. فهل تنزل على رغبة جمهورها وتعود إلى الغناء؟