عرفت حقبة الطرب إنتاجات غنيّة على صعيد الأغنية العاطفية، شارك فيها الملحنون والكتاب في تقديم تجارب مثيرة ومليئة بالعواطف والشاعرية. استطاع المغنون تطويع أصواتهم والانسجام مع المقامات الشرقية لإخراج كل نغمة مع إحساس عالي. كما عرفت هذه الأغاني الكثير من التجديد على صعيد الآلات الغربية مع الحفاظ على الروح الشرقية بإيقاعات منوّعة.
تجمع هذه القائمة عصارة التجارب الطربية في الأغنية العاطفية المصرية مع كبار الأسماء ونجوم هذه الحقبة.
أم كلثوم - إنت عمري
يعتبر أحمد شفيق كامل من أكثر الشعراء رومانسية في تاريخ الأغنية العربية، وقد لقب بشاعر الهرمين لأنه أول من جمع أم كلثوم مع محمد عبدالوهاب في أغنية "إنت عمري" والتي عرفت بلقاء السحاب سنة ١٩٦٤. ربط محمد عبد الوهاب كل عنصر من الموسيقى مع كلمات الأغنية من المقدمة التي حملت نخبة من أبرز العازفين منهم محمد عبده صالح على القانون وعمر خورشيد على الجيتار، إلى التلاوين اللحنية التي اختلفت في كل كوبليه. خرج صوت أم كلثوم وفي بحته شيئ من الصوفية أشعر السامع بأن أيام العمر تظهر أمام عينيه، وصعب على من سمعها أن لا يشعر بأنه واقع في الحب من تفاريد صوتها القوي. كما اشترك هذا الثلاثي على تقديم أشهر أغاني هذه الحقبة منها أمل حياتي وليلة حب.
هدى سلطان - إن كنت ناسي أفكرك
يستطيع صوت هدى سلطان أن يأخذنا إلى أي مكان يريده، وهذا ما فعلته في "إن كنت ناسي أفكرك"، حملتنا معها على جناح الحنين إلى زمن الماضي. ترجمت بصوتها مشاعر النوستالجيا في كلمات محمد علي أحمد، والذي نقل بكل بيت إحساس مختلف "أفكرك بالليل وشجونك واحلفلك عالشوق بعيونك وفرحتك وانت بتحكي". اكتملت الأغنية بعد أن أضاف عليها السنباطي ألحانه المميزة وأعطاها مقام الراست، الذي اندمج بطبقات صوت هدى مع نبرة الشجن واللوعة.
عبدالحليم حافظ - جانا الهوى
حضر الأسمراني في أغلب أغاني عبدالحليم حافظ، حتى صارت واحدة من أجمل سرديات العشق بالأغنية المصرية الطربية. كتب محمد حمزه كلمات ذات بعد شاعري رومنسي عن رموش الأسمراني في "جانا الهوى"، وغناها عبد الحليم على مقام البياتي. صاغ لها بليغ حمدي واحدًا من أكثر ألحانه ثراءً، حيث أعطاها مقدمة موسيقية هادئة وشاعرية بصوت الكمان، قبل أن يدخل عليها الإيقاع البلدي مع صوت المزمار وقد أعطى لكل نغمة إحساس مختلف. استخدم عبدالحليم أسلوبه الرخيم بالأداء، وتنقل بين نغمات الأغنية بنبرته العاطفية الحالمة.
كارم محمود - أمانة عليك
اشتهر كارم محمود بعذوبة صوته وحلاوته بالإضافة إلى موهبته بالتلحين، وقد لحن "أمانة عليك" على مقام النهاوند. كتب الكلمات الشاعر فتحي قورة المعروف بإسهاماته الغنيّة عبر كتابة عدد كبير من الأغاني العاطفية، وقد اشتهرت تعاوناته مع عبد الحليم وفريد الأطرش. انسجم لحن كارم للأغنية مع عذوبة الأبيات المليئة بالغزل "حبيبي البدر لما يبان/ و عوده الغصن لما يميل"، وقد أداها بإحساس عالٍ وأسلوب لامس قلوب السامعين بسهولة، كما قدم في وسطها موال طويل كشف عن براعته الغنائية وتفاريد صوته الجميلة.
عبدالحليم مع شادية - حاجة غريبة
قدّمت شادية ديو "حاجة غريبة" مع عبدالحليم حافظ في فيلم معبودة الجماهير سنة ١٩٦٧، لكن الأغنية خرجت من إطار الفيلم وصارت واحدة من أكثر الثنائيات المشهورة في الأغنية العاطفية المصرية. اندمج صوت شادية مع أداء عبدالحليم لنقل كلمات حسين السيد المليئة بالشغف عبر وصف اللحظات الأولى من الحب. حملت أنغامها تجديدًا على صعيد الألحان، فقد أعطاها منير مراد لحن هادئ وأضاف عليها عيّنات موسيقية حالمة، بينما انتقل إيقاعها من الغربي إلى الشرقي بنقلات حيويّة.
محمد عبد المطلب - ساكن بحي السيدة
تحاكي أغنية "ساكن بحيّ السيدة" قصة عاطفية دارت في اثنين من أشهر أحياء منطقة مصر القديمة في القاهرة، حيث يمشي الحبيب كل يوم مرتين من حيّ السيدة إلى حيّ الحسين للقاء المحبوب. حملها الكاتب زين العابدين بعض العادات الشعبية في إطار عاطفي مثل إنارة الشموع والنذور إذا مال الحبيب: "أفوت على بيت الحبيب/ أقول جريح يا اهل الهوى". بينما اهتم الملحن محمد فوزي بتلحينها بعد أن أعجب بكلماتها، وأعطاها أساسًا على مقام الكرد مع التنقل إلى مقامات أخرى مثل البياتي والصبا. استعرض فيها عبد المطلب قدراته الصوتيّة وقدّمها في أغلب حفلاته، ومن الجدير بالذكر أنها تندرج تحت قالب الطقطوقة.
محمد عبد الوهاب - إمتى الزمان
ارتبطت كلمات الشاعر أمين عزت الهجين في أغنية "إمتى الزمان" بشط النيل، وأعطاه رمزيته العاطفية كما في قصائد الحب التي انتشرت في فترة الخمسينيات والستينيات. استطاع عبد الوهاب أن يحوّل هذه الكلمات إلى ملحمة لحنية، من المقدمة الموسيقية البسيطة والقوية في الوقت نفسه، حيث بدأ بتعريف المستمع على الآلات بالتدريج، قبل أن ينتقل إلى إيقاع هادئ. عرف عبدالوهاب قدراته الصوتية ولم يغامر بعرب ثقيلة، بل صب تركيزه على الأداء العاطفي في طيّات صوته "والموج بيحكي حكاية للشط مالها نهاية".
فايزة أحمد - لقيتك فين
تنقلت فايزة أحمد في "لقيتك فين" من طبقة إلى طبقة دون أن تبذل جهدًا، وحولت صوتها إلى آلة موسيقية حاكت الكلمات "أول مرة تقابلنا عرفت إني هحبك/ آخر مرة تقابلنا عرفت أكثر مرة بحبك". نقلت كلمات الشاعر عمر بطيشة المليئة بمشاعر متضاربة عن الحب وتعقيدات العلاقات، بينما أبقت على تأثيرات البكاء والضحك في صوتها ما أعطى الأغنية خاصية درامية جميلة. لحّن هذه الكلمات محمد سلطان الذي دخل هذه الفترة في مرحلة تجديد الأغنية الطربية واستقدم آلات جديدة مثل الجيتار والكيبورد.






