أعاد مسلسل "حالة خاصة" الذي عُرض مؤخرًا على منصة Watch it فرقة المصريين إلى الواجهة مجددًا، وذلك بعد مرور 36 سنة على توقف نشاطهم الفني. حدث ذلك بعد أن استخدم هاني شنودة، الذي وضع الموسيقى التصويرية لمسلسل "حالة خاصة"، العديد من أغاني فرقته المصريين فيه. جاء ذلك مع أغنية "لما كان البحر أزرق" في التتر، وأغنيتي "الشوارع حواديت" و"أوقات أشوف ملامحك"، اللتان حظيتا بنسبة عالية من الاستماع في الأيام الأخيرة، ليؤدي ذلك إلى دخول فرقة المصريين إلى قائمة بيلبورد 100 فنان هذا الأسبوع، واحتلالها المركز 66 فيها مباشرة. في مراجعة بيلبورد الكلاسيكية لهذا الأسبوع، اخترنا لكم ألبوم "حظ العدالة"، آخر ألبومات فرقة المصريين، لاستعادة جماليات الأغاني المنسية، التي ساهمت المسلسلات الدرامية بإعادتها إلى الواجهة وتعريف الأجيال الجديدة بها، كمسلسل "حالة خاصة"، والعديد من المسلسلات السابقة له، مثل مسلسل "رامي" الذي حصل نجمه رامي يوسف على جائزة جولدن غلوب سنة 2020 وصعد إلى تكريمه على المسرح على أنغام فرقة المصريين.
تبدلّت الأصوات النسائية مع فرقة المصريين، مُنذ نشأتها في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1977 ووصولًا لآخر ألبوماتهم "حظ العدالة". في البداية كانت إيمان يونس تغني المقاطع النسائية، ولكنها انفصلت عنهم سنة 1981، أثناء تسجيل ألبوم "ابدأ من جديد" بعد زواجها. سجّلت حينها ستًا من أغاني الألبوم الثمان في يوم واحد ودعت فيه الفرقة، لتترك فراغًا وراءها، وتخلفها رندة، التي غنّت في الألبوم ذاته واحدة من أغاني المصريين الأيقونية، "لما كان البحر أزرق". لكن تجربة رندة مع المصريين لم تستمر طويلًا، وعبرت جسر المصريين إلى الغناء المنفرد. وبعد رحلة بحث عن صوت نسائي جديد، استقر الخيار بالنهاية على منى عزيز، التي دربها هاني شنودة لتُصبح نجمة الفرقة مع أغنية "ماشية السنيورة" التي كانت أول أغنية عربية يُستخدم في كليبها تقنيات الأنيميشن، والتي صدرت ضمن ألبوم يحمل الاسم ذاته سنة 1985. ومع منى عزيز مضت فرقة المصريين إلى محطتها الأخيرة، في ألبوم "حظ العدالة" سنة 1988، وفيه سجّلت الأغنية الأيقونية الأكثر إثارة "أوقات أشوف ملامحك"، ليكون صوتها رفيقًا للعشاق في أسبوع عيد الحب هذا العام.
لا يمكن الحديث عن فرقة المصريين دون الإشارة إلى الثورة التي أحدثتها في الموسيقى المصرية، فمنذ بداياتها سعت لتقديم لون مختلف كلامًا ولحنًا. فالكلمات التي استحوذت على مُجمل ما قدمته الفرقة يمكن أن يندرج تحت مسمى الأغنية الاجتماعية، التي جاءت كرد فعل على سنوات طويلة من سيطرة الأغاني العاطفية الكلاسيكية، لتخرج أغاني المصريين من دوامة كلمات الحُب المستهلكة، الغزلية منها والدرامية الحزينة، وتعثر على ستايل خاص بأغاني من كلمات صلاح جاهين وعمر بطيشة وعبد الرحيم منصور. ارتبطت هذه الأغاني بالقضايا الاجتماعية المُهملة في الأغاني المصرية، حتى لو كان المدخل إليها في الكثير من الأحيان عبر حالات رومانسية عاطفية، يغلّفها سياق اجتماعي للتعبير عن أفكار طبقة بعينها أو شريحة مُعينة من المجتمع، كالفلاحين أو النساء وغيرها. أما موسيقيًا، فإن ثورة فرقة المصريين بدت أكثر تأثيرًا على المدى البعيد على شكل الأغنية العربية عمومًا، فهاني شنودة ورفاقه تبنوا أفكار موسيقية مُغايرة لكل ما كان سائدًا. فبعد أن كانت الأغنية العربية لعقود محصورة بألحان مونفونيك، تعزف فيها جميع الآلات نوتة موسيقية واحدة، جاءت فرقة المصريين لتبدأ موجة موسيقى الهارموني التي تعاظم أثرها على الأغنية العربية تدريجيًا، والتي بدأ التوزيع الموسيقي يزداد أهمية معها؛ حيث باتت موسيقى الأغنية تتضمن عدة ألحان مُتناغمة، لتعزف كل آلة نوتة، ويتشكل اللحن من التناغم بينها.
تُمثل أغاني فرقة المصريين حالة خاصة في الموسيقى العربية عمومًا على امتداد تاريخها، ففيها الكثير من التفاصيل الغنية التي تم نسجها بالتمرد على السائد، وبعضها لم يتكرر أبدًا، كالتناغم ما بين الشعر والغناء. يظهر ذلك في أغنية "الشوارع حواديت"، التي نسمع فيها صوت الشاعر صلاح جاهين يتلو أبيات قصيدته بالتداخل مع صوت منى عزيز التي تغني الكلمات ذاتها بصوت أثيري على مقام العجم. لكن، بدأ الاهتمام بتجربة فرقة المصريين يتراجع في نهاية الثمانينيات بعد موجة أغاني البوب المصرية الجديدة، التي عُرفت حينها بالأغنية الشبابية؛ لذلك قرّر أعضاؤها حلّ الفرقة سنة 1988 بعد تقديم ألبوم "حظ العدالة"، الذي تضمّن العديد من الأغاني المُثيرة، ستبقى بصمة فارقة في تاريخ الأغنية المصرية.
يتكون ألبوم "حظ العدالة" من سبع أغانٍ، بالإضافة إلى تراك "لونجا 88" الموسيقي؛ الذي كان امتدادًا لنهج فرقة المصريين منذ بدايتها، والتي ضمّنت في كل ألبوم تراك موسيقي حمل اسم "لونجا" مُرفقًا بسنة إصدار الألبوم. وضع جميع الألحان هاني شنودة، فيما تم التعاون في الألبوم مع العديد من الشعراء الغنائيين. يفتتح الألبوم بطريقة الموال الشعبي في مقدمة أغنية "حظ العدالة" التي كتبها جمال الأقصري، تُردد فيه منى عزيز أربع كلمات فقط: "حظ العدالة مايل ليه". تدخل بعد ذلك الإيقاعات وتتشكل موسيقى الهارموني لغناء الكلمات ذاتها بالتناوب بين منى عزيز وجوقة الرجال. تتجلى إثارة أغنية "حظ العدالة" بالتناغم بين مكونات الموسيقى الشعبية المصرية ونغمات الأورغ التي أعطتها طابعًا حداثيًا حينها.
يحظى الصوت النسائي المُنفرد بالمكانة الأعلى في أغاني فرقة المصريين، لكن أثره يتضاءل في بعض الأغاني، وتحل مكانه صوت الجوقة لتحمل خط الأغنية الرئيسية. كما هو الحال في "عودي يا ليالينا"، التي كتبها رؤوف رأفت، وأغنية "صدقني مرة جرّب تغني"، التي كتبها هاني زكي. نميز في هذا الخط من الأغاني نوعين من الأداء، يصدح في الأول صوت منى عزيز بشكل مُفاجئ لتكرار بعض الكلمات وتوكيدها بغناء عاطفي يُناسب نوستالجية "عودي يا ليالينا" الرومانسية، التي يوحي صوت الجوقة بأنها حالة جمعية، قبل أن يكسب خصال رومانسية زائدة مع الصوت النسائي. أما في أغاني أخرى فيتم الاعتماد على صوت رخيم لرجل، ليلعب الدور ذاته كما في "صدقني مرة جرّب تغني"، التي تبدو كدعوة للعلاج النفسي الذاتي عن طريق الغناء والموسيقى.
وفي أغانٍ أخرى يتم الاعتماد على أصوات مُتجانسة، لتُقسَّم المقاطع بشكل متوازن ما بين الصوت النسائي وصوت الجوقة. يحدث ذلك في أغاني مثل "يا شمس ضمي هوانا" من كلمات محمد زادة، التي يُعبّر فيها صوت منى عزيز عن الذاكرة العميقة والزمن الماضي، بينما يُعبر صوت الجوقة عن الأحلام أو الأمنيات. وفي أغنية "يا قلبي غني معايا" تتكرر الخلطة ذاتها، لكن مع تبديل طفيف في الأدوار، ليختزل صوت منى عزيز الأمنيات إلى جانب الذكريات الرومانسية، بينما تكتفي الجوقة بسرد الوقائع.
لكن أكثر أغاني الألبوم إثارة، هي "أوقات أشوف ملامحك" بكل تأكيد، بسبب الاعتماد بشكل أكبر على صوت منى عزيز، التي ترسم بعذوبة حالة رومانسية للحظة ذاتية تتكرر في المخيلة وتستعيد ملامح لا تُنسى أبدًا. كتب كلمات الأغنية هاني زكي، ومزج بشعرية بين مشاعر الحب والشوق والطفولة، وتستخدم منى عزيز لترجمة الكلمات طبقة صوتية أثيرية حالمة، تُضاعف من حساسية الكلمات وتبرز شعريتها، وفيها يرد: "أوقات بشوف ملامحك بصورتي في المراية/ وأحس الشوق في بقلبي واخدني للنهاية/ أغمض عيني لحظة ألاقي إنك معايا".