أطلقت مايا دياب، الخميس الماضي، نسختها الخاصة من أغنية وردة الشهيرة "حرمت أحبك"، بتوزيع عصري من توقيع هادي شرارة، مصحوبة بفيديو كليب من إخراج رجا نعمة، ظهرت فيه بست إطلالات مختلفة وجريئة، تُعد امتدادًا لهويتها الفنية المعروفة بكسر النمط السائد والخروج عن المألوف. لكن، لماذا قوبل هذا العمل بعاصفة من الانتقادات؟
كليب حرمت أحبك
الأغنية الأصلية قدمتها الفنانة وردة الجزائرية قبل أكثر من ثلاثين عامًا، وهي من كلمات عمر بطيشة وألحان صلاح الشرنوبي. ومن المؤكد أن إعادة تقديم عمل بهذا الثقل الفني يضع صاحبه أمام مسؤولية كبيرة، لا سيّما حين تكون المقارنة حتميّة مع صوت بحجم وردة، وأداء طالما وُصف بأنه من أجمل ما قدّمت.
تجربة سابقة لمايا دياب حققت نجاحًا
شخصيًا، لا أنتمي إلى معسكر الرافضين لإعادة تقديم الأغاني الكلاسيكية بروح معاصرة، بل على العكس، وجدتُ في تجربة مايا دياب عام 2018 لإعادة أغنية "نور العين" لعمرو دياب، إلى جانب مساري وفرينش مونتانا، مشروعًا صيفيًا ناجحًا يواكب الذوق العام حينها.
لكن، في حالة "حرمت أحبك" لم يكن الحماس ذاته حاضرًا. ربما لأن الطابع الطربي الأصلي للأغنية يفرض معايير أداء وتقديم مختلفة. وهكذا، تكون المقارنة بين العملين مبنية على عوامل لا يمكن حصرها كلها، بعضها ذاتي وآخر موضوعي.
جاءت النسخة الجديدة من الأغنية بتوزيع يمزج بين إيقاعات الأفروبيت والأمابيانو، مع الإبقاء على الطابع الشرقي في النصف الأخير وإن كان ذلك بأسلوب مختلف عما قدمته النسخة الأصلية. هذا النمط الموسيقي يواكب أذواق الأجيال الجديدة ويُناسب أجواء السهر والرقص كما ينسجم مع روح الأجواء الصيفية الحيوية
ومع ذلك يبقى التوزيع الأصلي هو الأقرب إلى روح الكلمات وموضوع الأغنية، إذ يحتفظ بعمقها الطربي وصدق إحساسها، وقد لاحظنا خلال السنوات الماضية تفاعلًا كبيرًا من مستخدمي التيك توك مع أغنيات طربية بصوت عبد الحليم حافظ أو ميادة الحناوي مما يدل على تذوقهم لهذا اللون من الفن حتى وإن كان لا يشبه ذائقتهم الموسيقية الحالية
يُحسب لمايا دياب وهادي شرارة جرأتهما في خوض تجربة التجديد والتجريب لكن تبقى النسخة الأصلية أكثر تعبيرًا عن روح الكلمات خاصة بفضل الأداء البديع لوردة الذي يصعب مقارنته بأي أداء آخر.
انقسام الآراء حول العمل
ردود الفعل الجماهيرية جاءت متباينة بين من أيّد فكرة التجديد ومن عارض المساس بعمل طربي أيقوني. بعض التعليقات على يوتيوب ومنصة "إكس" وصفت الخطوة بالمغامرة المحسوبة، ورأت فيها خروجًا من منطقة الراحة بالنسبة لمايا، وتعبيرًا عن رغبة صادقة في إعادة إحياء الأغاني القديمة بلغة موسيقية حديثة تُقرّبها من الأجيال الجديدة، لا سيّما الشباب الذين قد لا يعرفون وردة جيدًا أو يدركون حجم إرثها الفني.
وهو ما أكدته مايا نفسها في مقابلة أجرتها مؤخرًا، حين قالت إنها تسعى لتقديم هذا النوع من الأغاني بصيغة موسيقية حديثة تتيح لجمهور اليوم أن يتفاعلوا معها، بل ويرقصوا على أنغامها.
في المقابل، رأى البعض أن النسخة الجديدة شوّهت واحدة من أبرز علامات الطرب العربي، معتبرين أن مايا كان ينبغي أن تراعي مكانة وردة وتاريخها، خصوصًا عند تنفيذ الفيديو كليب، الذي رأى بعض المنتقدين أن جرأة الإطلالات فيه لم تكن موفقة ضمن هذا السياق.
هناك فرق بين النقد والتنمر
المؤسف في كل ذلك أن بعض الآراء تجاوزت حدود النقد الفني وتحولت إلى هجوم شخصي وسخرية مبالغ بها، وصلت إلى حد اتهام الكليب بإيحاءات "طقوس شيطانية"، والاستهزاء بإطلالة مايا و"قرون الزينة" التي وضعتها، بل وذهب البعض إلى حدّ ربطها بالماسونية!
من حق الجمهور أن يُعبّر عن رأيه، ومن واجب الفنان أن يتقبل ذلك، لكن ما لا يمكن قبوله هو أن يتحوّل النقد إلى حملات تجريح وافتراءات شخصية، أو موجة تنمر رقمي لا تستحقها أي فنانة سواء اتفقنا أو اختلفنا مع اختياراتها.