من مركز مِيت غمْر، أحد ضواحي مدينة المنصورة بدلتا مصر، بدأ خالد عجاج رحلته مع الغناء في الفرق الصغيرة التي تحيي الأفراح الشعبية. عرفه أهالي المنصورة بقدرته على تقديم اللونين الطربي الأصيل وأغاني مرحلة الثمانينيات بخفتها وبساطتها.
كان زواج خالد عجاج دافعًا ليفتش عن مصدر رزق أكبر من الجنيهات القليلة التي يتقاضاها من حفلات النوادي والأفراح البسيطة، فانتقل إلى الاسكندرية ليغني في ملاهيها الليلية.
فرض هذا السوق عليه الاتجاه للغناء الشعبي ليضمن زيادة الطلب عليه، وبالفعل أصبح واحدًا من أشهر المطربين "الشعبيين" في عالم الليل السكندري.
شارع الهرم.. أول طريق الشهرة
ذاع اسم خالد عجاج في هذا المجتمع، فكانت الخطوة التالية والطبيعية هي الانتقال إلى القاهرة ليغني في الملاهي الليلية بشارع الهرم. وهناك سمعه أحد المنتجين المعروفين في سوق الكاسيت الشعبي، وأنتج له أول ألبوماته "شكى حكى"، الذي صدر عام 1991.
نجحت الأغنية التي تحمل اسم الألبوم نجاحًا كبيرًا. صحيح أنها لم تجعله نجمًا شعبيًا مثل عدوية أو حسن الأسمر، إلا أنها رفعت أجره وزادت من شهرته، مما شجع المنتج نصر محروس صاحب شركة "فري ميوزيك" على التعاقد معه، وإنتاج ثاني ألبوماته "تعالى" سنة 1993.
وعلى عكس الألبوم الأول جاء محروس بحميد الشاعري، نجم التوزيع في هذه المرحلة، ليصنع لعجاج ألبومًا بمقاييسه، والمفاجأة أنه خسر الرهان.
كانت الأغاني سريعة تُشبه كتالوج حميد في صناعة المطربين وقتها، وظهر صوت عجاج وكأنه مُقيَّد حبيس في مساحة لا هي شعبية ولا هي طربية، فبدا وكأنه نُسخة باهتة من حكيم.
الطريف أن خالد اعترف بذلك في لقاء ببرنامج "صاحبة السعادة" حين قال: " فشل الألبوم فشل ذريع لأنه كان نسخة من ألبوم نظرة بتاع حكيم، فقلت لازم أعمل وقفه، وقلت لنصر محروس يا هعتزل يا أقدم غنا طربي بجد، ومن هنا جت مرحلة الملحن الكبير حسن أبو السعود".
"وحشتني" .. الهروب من شبح حكيم
جاء ألبوم "وحشتني" (1996) لينقذ مسيرة خالد عجاج، برؤية صاغها الموسيقار الراحل حسن أبو السعود عندما أقنع المنتج نصر محروس أن "الطرب" هو عنوان الهوية الفنية التي ستميز عجاج عن الآخرين.
وجاء محروس بالموزع أشرف عبده بعد نجاحة في إعادة توزيع الأغاني القديمة، ولهذا بدأ عمله في ألبوم خالد بإعادة توزيع أغنية "وحشتني" للراحلة سعاد محمد ليغنيها وترتبط باسمه منذ تلك اللحظة.
ضم الألبوم كذلك واحدة من أشهر أغانيه الدرامية وهي "في ناس"، التي تنتقد مساؤي النفس البشرية، وتُقسم المجتمع إلى "ناس بتحب تاخد كل حاجة .. وناس بترضى بأي حاجة". الأغنية، على بساطتها الشديدة، أعجبت الجمهور وأصبحت من أيقونات مسيرته، ورسخ هذا النجاح فيديو كليب غارق في المأساوية.
في ألبومه التالي "أصعب حب" (1997) تأكدت هوية خالد عجاج الفنية، وقدم خلطة تمزج الطرب الشرقي والدراما الغنائية، مع إعادة تقديم أغنية تراثية تبرز قدراته. ووقع الاختيار هذه المرة على أغنية "مبيسألش عليّا" لمحمد عبد المطلب.
تصدَّرت الألبوم أغنية "أصعب حب"، التي صورها مع المخرجة السينمائية الشابة ساندرا نشأت، وظهر عجاج بشخصية مُصفِّف شعر يعيش عذابات الحب الصامت تجاه زبونته، التي جسدت دورها الممثلة الصاعدة وقتها زينة.
بنفس الفلسفة قدم عجاج ألبومه الرابع "ولا دمعة" (1999)، الذي تعاون فيه مع نفس الأسماء التي شاركته الرحلة مثل الشاعرين مصطفى كامل وبهاء الدين محمد، والملحنين رياض الهمشري وعصام كاريكا،ـ إلى جانب أسماء أخرى مثل الشاعر مجدي النجار والملحنيْن فاروق وصلاح الشرنوبي. ضم الألبوم مجموعة من الأغاني الناجحة مثل "العسل" و"ولا دمعة" و"تعالالي". وكعادته، أعاد تقديم احدى الأغاني القديمة؛ هذه المرة أغنية "تعب الهوى" لمحمد فوزي
بداية الألفية وعام الحظ
جاء عام2000 لتفتح النجومية ذراعيها لخالد عجاج، ووضعه نصر محروس إلى جوار "الكينج" محمد منير في دويتو "ليه يادنيا؟"، الذي كان قفزة مهمة في مسيرته، تزامنت أيضًا مع غنائه أغنية "الست دي أمي، التي استُخدمت في تتر برنامج شهير بنفس الاسم على شاشة التليفزيون المصري، فأصبح اسمه مرتبطًا بهذه الحالة الشجنية الإنسانية.
ولم تنته سنة حظة قبل أن يُصدر أهم وأنجح ألبوماته على الإطلاق "وحداني"، الذي أحدث طفرة حقيقية في شخصية عجاج الفنية، حيث شهد تنوعًا موسيقيًا مدهشًا بين الشرقي الطربي في أغنية "ليه يا ليالي"، واللون التركي في أغنية "الغرام"، واليوناني في أغنية "نار الهوى"، كما قدم أغنيات درامية هي الأنجح في مسيرته مثل "قالتلي خلاص" و"عمرك" و"أقرب صاحب" .
حقق خالد أرقامًا مليونية في مبيعات سوق الكاسيت، وأصبح نجمًا حقيقيًا ينافس أكبر الأسماء، فعرضت عليه شركة "روتانا" عقدًا فلكيًا قال عنه عجاج في حوار صحفي بمجلة "الكواكب" وقتها إنه رقم يساوي عشرة أضعاف ما كان يحلم بتقاضيه في مسيرته.
فقدان الدفة أم افتقاد الربان؟
انتقل عجاج لروتانا وأصدر معها ألبوم "حقيقة واحدة" عام2003 ، متكئًا على نجاح ألبومه السابق، وصور منه أغنية "حقيقة واحدة" التي حملت شحنة دينية وروحانية خارجة تمامًا عن السياق الرومانسي.
في العالم التالي أصدر ألبومًا بعنوان "يوم"، حاول خلاله استعادة فلسفته القديمة بتقديم أغاني التراث، لكن اختياره لأغنية "أكدب عليك" لوردة لم يكن موفقًا، ووضح أنه يفتقد لرؤية نصر محروس ربَّان سفينته السابق، وهو ما تأكد للجميع في ألبومه الثالث مع روتانا "على قد حالي" الذي لم يحقق نجاحًا واضحًا.
علَّل عجاج هذا التراجع بافتقار الألبوم للدعاية. لكن ما لم يذكره أنه هو نفسه كان مهتمًا بالاستثمار في مشاريع تجارية بعيدًا عن الفن، مما دفعه للابتعاد عن الساحة لبضع سنوات، إلى أن اتفق مع المنتج محسن جابر صاحب شركة "مزيكا" على التعاون في ألبوم "بنت الحتة".لكن لسوء حظه اندلعت ثورة يناير عقب صدور الألبوم فضاع وسط صخب السياسة. وأُحبط عجاج وتوارى عن الساحة لسنوات، إلى أن عاد للظهور مجددًا مع إنطلاق حفلات كاسيت90 التي نظمتها هيئة الترفيه بالمملكة العربية السعودية لنجوم هذه الحقبة. لكنه حتى الآن لم يُظهر نية حقيقية للعودة إلى الساحة بشكل فعلي رغم كونه صوتًا أصيلًا نادر التكرار.