لم ألتقِ بالملحن عمرو مصطفى من قبل، لكن لقاءنا الأخير كشف لي إنسانًا مختلفًا تمامًا عن الصورة المعتادة التي يظهر بها في البرامج التلفزيونية؛ كأنه وُلد من جديد. جلسة امتدت لنحو خمس ساعات، عايشت خلالها تجربة حية في تلحين «هيت» جديد، وتبادلنا الحديث عن الموسيقى والحياة، في لحظات شعرت أنها تستحق التوثيق.
دعاني الموزع الموسيقي توما إلى استوديوه الخاص، حيث استمعنا إلى تراكات تسجيلات أصلية لأغنيات مايكل جاكسون، من بينها “Billie Jean”، مع شرح تفصيلي لكل آلة وتركيبة موسيقية. وبينما كنا غارقين في أجواء الثمانينيات، فُتح باب الاستوديو فجأة، ودخل عمرومصطفى بطاقة عالية وضحكات صاخبة.
رغم خلاف سابق بيننا، انتهى الماضي بمصافحة دافئة. قال لي: أنا فتحت صفحة جديدة مع كل الناس، ومبسوط إننا اتقابلنا علشان نفهم بعض أكتر".
"تاريخ يُكتب"
طلب من توما تشغيل «البيت»، ثم التفت إليّ قائلًا: دلوقتي هتشوف تاريخ بيتكتب… وهتعرف أنا بلحّن إزاي.»
انطلق التوزيع الموسيقي دون لحن، وقف عمرو أمام المايك، وخلال ثوانٍ بدأ في الدندنة، مستخدمًا كلمات غير مكتملة تمزج بين العربية وأصوات أخرى، وهي طريقة يعتمدها لخلق الجرس الموسيقي قبل كتابة الكلمات. أنهى لحنًا، ثم أعاد التجربة بلحن آخر أكثر حماسًا. كان يضحك، يرقص، ويصفّق، وكأنه طفل يلعب بلعبته المفضلة.
في أقل من نصف ساعة، قدّم ثلاثة ألحان صالحة لأن تتحول إلى «هيتات». خرج من غرفة التحكم متصبب العرق، كمن فاز بمباراة كرة قدم، وقال: السرعة دي لحظة إلهام. الألحان بتطلع في دماغي مرة واحدة. ما بعرفش مقامات، بس الإيقاع هو اللي بيقودني".
بعتيني ليه والذكاء الاصطناعي
تطرق الحديث إلى الجدل الذي أثاره استخدامه للذكاء الاصطناعي في حلقة «ريد بول صالونات»، وتحديدًا تطبيق «سونو». أوضح أن التطبيق ليس بديلًا عن الإبداع، بل أداة تساعده على ترجمة أفكاره الموسيقية: سونو أو برناج الذكاء الاصطناعي زي سكرتير شخصي. اللحن في دماغي، وأنا محتاج إيقاع وشكل موسيقي يطلّعه للنور. دلوقتي أقدر ألحّنأكتر، وأجرّب جُنرات مختلفة".
ويضيف: كنت دايمًا شايف شكل الأغنية قبل تنفيذها، فجاء سونو وادّاني قدرة أكبرعلى ترجمة ألحاني داخل القوالب والجُنرات. بقيت قادر ألحّن أغنية كل ساعة؛ أغنّي اللحن وأدي تعليمات للشكل الموسيقي، فيتشبّع سونو بتيماتي وأفكاري، ويفهم أنا عايزإيه من كل جُنرة، سواء فلامنكو، هيب هوب، فانك، ديسكو أو هاوس".
يرى عمرو مصطفى أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحوّلًا شبيهًا بدخول الكمبيوتر عالم التوزيع في التسعينيات، حيث أصبحت الجُنرة الموسيقية عنصرًا قائدًا، مؤكدًا أن الاستمرارية ستكون لمن يعرف كيف يقود هذه الأدوات، لا لمن يخشاها.
وعن نجاح أغنية «بعتيني ليه»، يؤكد أن العودة لم تكن صدفة: قعدت ست سنين أتعلم وأجرب. اكتشفت إن الجيل الجديد بيسمع بالإيقاع قبل أي حاجة. الإيقاع لازم يشبه نبض القلب". يضحك ويضيف أن زياد ظاظا لا يزال يطالبه بلحنين صنّعهما في الجلسة نفسها ولم يُسجّلا، مؤكدًا إعجابه به كفنان شاب مؤثر.
العودة إلى الهضبة
شكّلت عودة عمرو مصطفى للتعاون مع عمرو دياب بعد قطيعة طويلة مفاجأة كبيرة للوسط الفني والجمهور. الصلح الذي أعقب خبر مرضه حمل تفاصيل كثيرة، وكان الشاعر تامر حسين وسيط هذا التعاون، بعدما أعاد تقديم أغنية «خطفوني» للهضبة.
يكشف عمرو تفاصيل ما حدث قائلًا: لحن خطفوني كان موجود من 2019. وبعد التصالح، فكّر تامر حسين الهضبة باللحن، فكتب الكلمات واتسجّلت".
ويتابع: المفاجأة الحقيقية كانت في (ابتدينا). لحّنتها وكتبها تامر حسين وبعتها للهضبة وقت تحضيرات الألبوم، لكنه نسيها. قبل نزول الألبوم بيومين، الموزع وعازف الجيتار شريف فهمي بعتهاله. عجبت عمرو دياب، واتصل بتامر وقال له: هسجّلها فورًا، وهسمّي الألبوم باسمها. خلال 24 ساعة كانت متسجّلة وجاهزة".
رحلة المرض… بين المحنة والمنحة
لا يخفى على أحد أن تجربة المرض غيّرت الكثير في شخصية عمرو مصطفى. كانت منحة أكثر منها محنة؛ وُلد بعدها من جديد، وطوى صفحة الخلافات. لكنه للمرة الأولى يفسّر سبب الغضب والمعارك التي خاضها طويلًا.
قال بهدوء: الخوف من الفشل هو السبب. تخيّل تبقى أنجح ملحن في الوطن العربي عشرين سنة، وفجأة تكتشف إن ولادك بيسمعوا موسيقى الجيل الجديد وشايفين أعمالك موضة قديمة. كان عندهم حق… الموسيقى بتتغير.»
ويضيف: خوفي منالفشل مع النجوم اللي شاركتهم في صناعة نجاحاتهم اتحوّل لطاقة سلبية. كنت بتخانق مع الكل، وكأني بصرخ علشان أطلع الغضب، ومكنتش مدرك إني بخسر أصدقاء وشركاء رحلة.»
توقفت طويلًا أمام كلماته، خاصة عندما قال في ختام جلستنا: لما ربنا امتحنّي بالمرض، فوجئت بطاقة حب هائلة من الناس، وعمرو دياب تحديدًا لما كتب منشور يدعمني. حسّيت إنه خطف قلبي وروحي. قلت لو طلب مني عمري، مش هتأخر عليه. ثم أكمل: زملاء وجمهور كشفوا لي عن محبة حقيقية. فهمت إن الحياة ماتستاهلش كل المعارك دي… ما بقاش غير المحبة، والسعي للنجاح، وحُب الخير للناس".






