عمر جنرا الزنقاوي لا يتجاوز بضعة سنوات، فقد ظهر النمط الغنائي الجديد في الجزائر، وارتبط بكلمة "الزنقة" التي تعني الشارع أو الحي الشعبي باللهجة الجزائرية، وسرعان ما تصدّر قوائم الاستماع متفوقًا حتى على الراي والراب.
شهد الزنقاوي نشأة فريدة، فانطلق من مدرجات جماهير كرة القدم وتحوّل من صوتٍ جماعي لمجموعات التشجيع ضمن المدارج، إلى نمط غنائي بات شعبيًا رغم حداثة نشأته. يتطعّم في كل مرة من الحواضن الموسيقية الأخرى من الراي إلى الشعبي.
تحوّل الزنقاوي تدريجيًا إلى جنرا قائمة بذاتها، لها جمالياتها وملامحها الأسلوبية واللحنية الخاصة، كما أصبح له استوديوهاته وأهمها استوديو سكاي برود الذي لعب دورا قويًا في نشأته واحتضن العديد من التسجيلات التي تحولت لاحقًا إلى هيتات.
لمعت أسماء قوية في مشهد الزنقاوي لمغنيِن كان لهم حضور سابق كمغنِي مدرجات وألتراسات، منهم جليل بالارمو وفوفا تورينو وموح ميلانو وبلال كاتانيا. كلها كما نلاحظ، أسماء مدن إيطالية ارتبطت بألقاب للفرق المحلية مثل اتحاد العاصمة، الذي كان يُطلق عليه ميلانو واشتق منه موح اسمه الفني، أو مولدية الجزائر الذي سمي بالارمو وتكنّى باسمه جليل.
تستحضر تلك التسميات أيضًا ثيمة الهجرة التي تحتل ركنًا أساسيًا في السردية الاجتماعية لنصوص الزنقاوي. لعبت مجموعة أولاد البهجة وغيرها من المجموعات التشجيعية الأخرى دورًا محوريًا في صقل جماليات الزنقاوي، برفقة موزعين محليين مغمورين. ساهم هؤلاء في انتقال الزنقاوي من أهازيج تحميسية لجماهير كرة القدم إلى أغانٍ ذات مواضيع اجتماعية بالأساس، تشبعت لاحقًا بحمولة عاطفية.
سرت حمى الزنقاوي إلى المشاهد المجاورة، وصُدّرت جمالياته وخصوصياته إلى بعض المنتجين في تونس والمغرب الذين استحضروا ملامح زنقاوية في إصداراتٍ مثل على مولانا لِـ كلاي أو ميلانو للسبعتون. حافظ الزنقاوي على تركيبة إنتاجية ثابتة تقريبًا، تميزها خلفية كورالية تتردد كغناء مضخم لجماهير كرة القدم، إلى جانب الجمل اللحنية اللعوبة للكيبورد.
وُلد الزنقاوي عملاقا وكبيرًا وسط حاضنته الأولى بين جماهير كرة القدم. قد يدينه البعض بسبب تكرار بنيته الموسيقية وتشابه مواضيعه، أو يعتبره آخرون وليد ظرف الجائحة التي ضربت العالم وأغلقت مدرجات كرة القدم لتجعله يهاجر إلى الاستوديوهات، قد يراه بعض النقاد كظاهرة زائلة، لكن الزنقاوي يستمر رغم كل ذلك ويراكم انتشاره بجلب جمهور متنوع بفضل التاثر والتأثير بينه وبين الأنماط الموسيقية الأخرى.