يمكن لكل من يتأمل رحلة صعود نورا فتحي عبر السنوات الماضية، أو حتى لمن يسمع حديثها للمرة الأولى دون أن يعرفها من قبل، أن يشهد مباشرةً على مدى إيمانها العميق بنفسها، إيمان أوصلها لأن تفتح بقوة أبوابًا في مسيرتها، لم يسبق لأحد أن طرقها قبلها. كانت نورا من التجارب النادرة على مر العقود حيث يصل فنان من جذور عربية إلى النجومية في بوليوود، فالمنافسة الكبيرة التي يشهدها قطاع الترفيه في الهند تكاد تكون صعبة بما فيه الكفاية لاستيعاب أسماء صاعدة من خارج الهند، لكن نورا آمنت أنه باستطاعتها أن تكون الأولى، فكانت كذلك.
حزمت نورا حقائبها في بداية عشرينياتها وتوجهت إلى الهند، واستحالت بالعمل الجاد والإصرار إلى نجمة في مجال الأداء والاستعراض والتمثيل وبرامج الواقع والمواهب على التلفزيون. لكن ذلك لم يكن كافيًا لها، فبالتوازي مع أوج نجوميتها مع صدور فيديو أغنية "Dilbar" التي تتجاوز اليوم حاجز المليار مشاهدة على يوتيوب وحده، كانت نورا تستعد وتخطط بالورقة والقلم، انتقالها إلى المرحلة الثانية من مسيرتها، حيث أرادت الغناء وتقديم موسيقاها الأصلية، ونوت أن تتبع الموسيقى أينما أخذتها، حتى خارج حدود الهند. انطلقت بذلك مسيرتها المستقلة كمغنية لتقدم بداية النسخة العربية من أغنية "Dilbar" وعدد من الأغاني الأخرى باللغة الإنجليزية، كما شاركت في أغنية "Light The Sky" لكأس العالم في قطر 2022 إلى جانب بلقيس ومنال ورحمة رياض وعدد من الفنانين الآخرين.
كانت النجمة الشابة قد ولدت ونشأت في كندا لوالدين مغربيين، فجمعت نشأتها بين تأثيرات الثقافتين، وانضمَّت إليهما الثقافة الهندية بعد انتقالها إلى هناك، حيث تعلمت اللغة الهندية وانخرطت في كافة تفاصيل عالم الترفيه في بوليوود. أثناء لقائها مع بيلبورد عربية، شرحت نورا كيف تعتبر تنوع هويتها وثقافاتها نقطة قوتها كفنانة، وأنها تجد في نفسها ما لا يملكه فنانون آخرون من قدرتها على التأقلم وتقديم فنها لشرائح مختلفة من الجمهور حول العالم: "دائمًا كنت أفكر أنه كلما كنت أكثر تنوعًا كلما استطاع أشخاص مختلفون الاتصال معي. إذ أن هناك الكثير من الناس في العالم متعددوا الثقافات مثلي ويتصلون بأكثر من ثقافة واحدة" وتتابع كذلك مصرّةً على تنوع هويتها الفنية كذلك، فلا يمكن للفنان الالتزام بأداء شيء واحد فقط طوال مسيرته: "سيشعر الجمهور بالملل! لو اكتفيت بتقديم الشيء ذاته فأنا أعلم 100% أنني لن أستمر في المجال لأكثر من خمس سنوات. التجديد والتغيير واجب. في حالتي أن أعيش في الهند وأعمل في بوليوود لذا لا تنسي أن الناس التي أعمل معها في هذه الصناعة ليسوا مثلي، ليسوا متعددي الثقافات ولا يملكون ما أملكه. إنها نعمة أن تأتي من خلفيت كخلفيتي".
مع ذلك لا تنكر نورا سعيها المستمر لفهم ثقافتها بتعمق لتقديمها على أفضل نحو، فبعد نشاطها الغنائي كفنانة مستقلّة لعدة سنوات، حققت تعاقدًا مع تسجيلات وورنر ميوزك، لتتجه أخيرًا لتقديم أغنية "نورا" التي أعادتها إلى جذورها المغربية بوضوح. تضمنت الأغنية استعراضًا غنائيًا فنيًا بصريًا متكاملًا يلخّص هوية نورا فتحي بالكامل بكل تفاصيلها، فغنّت بالدارجة وبالإنجليزية، وضمّت تأثيرات موسيقية هندية وأمازيغية، كما تطلبت هذه التجربة أن تقوم نورا بتقديم مقطع راب بالدارجة، الأمر الذي أفزعها بدايةً: "كنت خائفةً قليلًا بصراحة. في النهاية أنا ولدت ونشأت في كندا، أستطيع الحديث بالدارجة أو بالعربية بقدر ما تطلب الأمر، لكني لن اصل إلى درجة اتقان ونطق شخص يعيش في المغرب أو في العالم العربي… لكننا فعلناها. أول مرة سجلت بالدارجة في الاستديو وسمعت نفسي والطريقة التي كنت أؤدي فيها الراب، واو! كان شعورًا جنونيًا".