في عيد ميلاد أمير عيد، الاحتفال الحقيقي بمسيرته الفنية مُرتبطًا بالكلمات أكثر من أي شيء آخر. قبل أن يكون أمير صوت كايروكي، فهو كاتب أغاني يمتلك قدرة نادرة على تحويل التجارب اليومية إلى جُمل تُشبه مشاهد كاملة، وتشبهنا نحن أيضًا. جُمل تختصر الفوضى، التمرد، الخوف، والخيبات، وتقدّمها ببساطة لا تقل عن عمقها. منذ بداياته، كتب أمير لنفسه ولجيل كامل يبحث عن مساحة للتمرد والاختلاف عن السائد.
مع السنوات، أثبت أمير أن قوته تكمن في صدقه الخام؛ لا يتجمّل، ولا يقدّم دروسًا، بل يصف العالم كما يراه: ساخرًا حينًا، غاضبًا حينًا، وحكيمًا بشكل مفاجئ حين يتخفف من صوته الاحتجاجي ليميل إلى التأمل. في هذا المقال، نختار 7 جمل مفضلة من كتاباته، جمل أثرت فينا نحن فريق بيلبورد عربية، وظلت تصاحبنا مثل حكمة أو اعتراف أو تنهيدة مشتركة.
أغنية "السكة شمال"
"أنا زيي زيك ملناش دور/ كومبارس في مسرح مهجور/ البطل فيه أبو دم تقيل/ وأنا وأنت واقفين طراطير".
يعرف أمير عيد كيف يكون قريبًا من المستمع بكلماته، إذ يجيد استخدام الضمائر ليبني جسرًا حميمًا تظهر في سطور مثل "أنا زيّي زيّك" التي تذيب المسافات. ليضع نفسه بصف المستمع ليواجها معًا عالم الموسيقى المتكلّس ورموزه الثقيلة.
هذه المشاركة الوجودية، وهذا الاصطفاف الشعوري، هما جوهر الأغنية البديلة وروحها المتمرّدة، وهو أحد الثيمات المتكررة بأغاني كايروكي التي تبدو انتقادًا للإعلام والموسيقى والفنون السائدة، والتي قد تكون وصلت ذروتها بأغنية "كان لك معايا"، التي يرد بها: "يرمولك طعم في صنارة/ تاكل تتشد تتاكل/ في إعلان أو أغنية". *من اختيارات عمر بقبوق
أغنية كان لك معايا
"أصوات كتير حلوة لكن دماغ مفيش/ بيغنوا ويطربوا لكن معاني ما تلاقيش". أغنية كان لك معايا.
أغنية "كان لك معايا" لفريق كايروكي التي كتبها أمير عيد. اقتبس اسمها من أغنية أم كلثوم "أنساك"، التي يستخدم بعضها في الأغنية نفسها. بد الأمر تحية واجبة إلى "الكوكب" الأيقونة. الدرس الأكبر لحلاوة الصوت وما يترتب عليه. يحقق من خلال ذلك ما يحاول إيصاله؛ يصرخ للتذكير بقيمة الفنان قبل الفن. ليس نصيحة للآخر بالنضال بل بضرورة أن تعيش فنانًا قبل أن تمارس ذلك ظاهريًا. ليس مهمًا تمامًا صوتك الجيد إذا كان عقلك لا يفهم جدوى ذلك الصوت فنيًا. ولا مسئولية وجوده مجتمعيًا. المعنى والحرية والصدق: هي أشياء لا تُنسى، هي أشياء لا تشترى. *من اختيارات حسام الخولي
أغنية "السكة شمال في شمال"
"السكة شمال في شمال واليمين اختفى/ لفت بينا الأيام خدنا أجدع قفا / تمشيها مظبوط تاخد أكبر خازوق/ تمشيها معوج يرفعوك لفوق"
هذه الأغنية لا تواسي ولا تحرض، بل تشاركك الإحساس القاتم بأن اللعب النظيف لم يعد له مكان وأن العدل بات رفاهية لا يُنصح بمطاردتها. الكلمات الساخرة جسدت مرارة أمير عيد من واقع مقلوب. تبدو الاستقامة غير ضروري، بل كثيرًا ما يُعاقب من يسلك دروب الالتواء. تُقال هذه الكلمات على نغمة موسيقى شعبية، تلائم أجواء الأحياء المكتظة. كأنها كُتبت لتُسمع في قلب الزحام الشعبي لا على منصات الحفلات.
بالرغم من كونه ابن منطقة المعادي لكنه يقدم هنا تجربة حقيقية، ومعرفة دقيقة بتناقضات المجتمع. يصف ببساطة كيف أن من يسعون للخير يدفعون الضريبة في النهاية، يقول "الواطي بقى عالي/ والرخيص بقى غالي/ واحنا كده بالتالي/ ملناش مكان". يسجّل أمير حالة وجودية فُقدت فيها البوصلة، وتحول الإحباط إلى تيار سائد لا يقاومه بل يرصده بعين باهتة من فرط الإنهاك. تحضر نبرة سخرية حزينة، ليصبح كل ما تبقى لدي الجميع هو توصيف الألم لا مقاومته. *من اختيارات نورهان أبو زيد
أغنية "كل حاجة بتعدي"
"كل الناس خايفة من بكرا / ويجي بكرا ولسه خايفين/ بكرا مش يوم بكرا ده فكرة/ هما جواها محبوسين".
عُرف أمير عيد في الأغلب بكتابته الساخطة الغاضبة أو الحزينة، ولكن هذه الجملة بالتحديد وأغنية "كل حاجة بتعدي" مثلت نبرة هادئة مشبعة بالحكمة تواسي القلقين من المستقبل. فالمتعة والحياة في التجربة حد ذاتها ويمنعنا عنها الخوف، ومحاولات الاطمئنان للمستقبل الزائفة عن طريق السعي لضمانه لا تفيد. اعتادت فرقة "كايروكي" في حفلاتها الأخيرة خاصة في مصر أن تكون الأغنية الأخيرة في برنامجهم هي "كل حاجة بتعدي" كمشاركة حميمة مع القلقين والمهمومين من جمهورهم، وكأنهم يقولون لهم "نحن هنا معكم، وكما تخطينا الصعاب طوال رحلتنا سويًا ستمر الصعوبات الحالية". *من اختيارات يوسف علي
الكيف
"من يومها وأنا، أنا مش أنا/ الناس راحت هناك وأنا مرمي هنا".
بالرغم من قوة أغنية الكيف الظاهرية، ومناقشتها لمشكلة مجتمعية ذات ثقل وهي الإدمان، فالأغنية تحمل في ثناياها أبيات تنطبق على مشاكل نفسية أكبر. يرى المتكلم أن الأخرين متحكمين في مصيرهم مع الفعل "راحوا"، بينما هو مغلوب على أمره مع الفعل أو "مرمي"، كأنما تم إجباره.
كما يتوارى المتحدث خلف نفسه نوعًا ما. كأنه يحمّل المسؤولية جزءً من نفسه، يمكن تجزئته والتخلص منه لحل مشكلاته. يتضح ذلك في جملة: "في واحد ابن حرام قاعد جوا نفوخي/ واحد كله اجرام اه منه اه يا خوفي". *من اختيارات محمود عرابي
أغنية يا أبيض يا أسود
"درجن درجن روح هناك/ أروح هناك تطلع سراب/ بجري في سباق وأنا فيه متساق/ والسواق بيدوس بغباء/ قطيع والكل بيقول ماء ماء ماء ماء"
أمير عيد الشاعر هو نسختي المفضّلة من رجل يثبت دائمًا أن داخله عوالم كثيرة. ببساطة آسرة، دون أي تكلّف، يكتب في "يا أبيض يا أسود" عن تكرارٍ أبديّ يشبه لعنةً لا تنتهي، لكنه يهب هذا الثقل روحًا يومية خفيفة، كأنه يعيد تشكيلها في قصيدة من الشعر الشعبي على طريقة أحمد فؤاد نجم.
يفكّر أمير في اللحن بقدر ما يفكّر في الكلمة؛ يختار الإيقاع بعناية، ويستخدم مقاطع صوتية تنزلق بسلاسة فوق اللحن، كأنها امتداده الطبيعي أو صداه الداخلي. *من اختيارات لينا الرواس
أغنية جيمس دين
"أنا وهي جينا في وقت غير الوقت/ وعلشان كدا مقضينها سوا شد وخبط/ بنهرب من نفسنا، بنجري ولسه بنخاف/ وفيه حياة جوانا لسه ما عيشناهاش".
كثيرًا ما غنّى أمير عن تمرده واحتجاجاته، لكنه في "جيمس دين" كان يغني بالنيابة عن الثنائي الواقع في الحب لأول مرة. فإن كان الشخص الواحد الذي يعيش ضد التيار، يشعر بالتحديات بما يكفي، فكيف باثنين من نفس العقلية يحاولان التكيف ومواجه الحياة سويًا؟
"شد وخبط" تضحكني كلما سمعتها، فيها فعلًا كثير من الواقعية في وصفها للعلاقات العاطفية وخاصة مع الشخصيات "العندية". أما شعور أن تكون ولدت في الزمن الخاطئ، فيلاحق معظم جيل الألفية ويذوبهم بإحساس الغربة، وهو ما لا يفشل فريق كاروكي بعنونته، وكأنها دعوة منهم لجيل كامل باستبدال هذا الشعور بالانتماء إلى الموسيقى والفن والناس التي تشبههم. *من اختيارات هلا مصطفى






