كل ما في هذه المقابلة تجاوز توقعاتنا حول ويجز. ففيما يستعد خلال أيام لإطلاق ألبومه الجديد، كنا نتهيأ لمحادثة موسيقية عن تعاوناته في السين وعن البيف في المشهد المصري، عن كيف صنع ألبومه وقراراته بالتنقل بين الجنرات التي رسمت معالم مسيرته. لكن ويجز استقبل كل هذه الأسئلة من زاوية جديدة، بدا وكأنه شرع يفكر بالفعل في المشروع التالي. وفجأة، وجدنا الحديث ينتقل بنا تلقائيًا إلى مناطق أخرى لم نتوقعها، ومواضيع جديدة يعالجها من زاوية أوسع وأعمق.
وجدنا أنفسنا نتحدث عن تجاربه المخيفة في الغوص في أعماق البحار، عن أشجار الكرز في اليابان، عن السفر والهدوء والمغامرات البسيطة. انفتح النقاش على مصراعيه، من العناصر التي تصنع موسيقى الراب والبوب والمهرجانات، إلى الحديث عن الفضول والملل والوحدة، وكيف يخلط كل ما سبق ليصنع صوته الخاص.
طوال المقابلة، كان ويجز يشرب الشاي بهدوء، ويتحدث عن مغامراته، والمدن التي يحبها، والموسيقى التي سمحت له بأن يكون نفسه بلا قيود. هو الشاهد على التحولات التي مرّ بها المشهد المصري، وصانع موسيقى يحاول فهم الحياة كما يعيشها، وبلمسة شخصية تجعل كل أغنية نافذة صغيرة على عقله وروحه.
لم تكن مقابلة تقليدية بأسئلة وأجوبة جاهزة، بل مساحة غير مسبوقة حتى بالنسبة إليه، تحدث فيها بصراحة عن التحولات الشخصية والنفسية التي عاشها مع صعوده إلى النجومية والشهرة، التي يهرب منها دائمًا إلى البساطة.
ويجز والمغامرة الصوتية: رحلة من الإسكندرية إلى تنوع الجنرات
قبل ثمانية أعوام، في أغسطس 2017، نشر ويجز على فيسبوك: "اسمي ويجز، بَعمِل راب من 4 شهور بس، وهنزّل أغنية تكسّر الدنيا في خلال يومين". كانت هذه الكلمات بداية لمغامرة طويلة، رحلة من شوارع الإسكندرية إلى أضواء القاهرة والعالم، صقلت صوته وأسلوبه. اليوم، في مقابلة الغلاف مع بيلبورد عربية لشهر أغسطس 2025، يجلس ويجز بعد أن أصبح نجمًا ينافس على قوائمنا الأسبوعية للأكثر استماعًا، ويحمل رصيدًا غنيًا من الأغاني والحكايات التي تجسد مسيرته الفنية.
في عام 2018، اتجهت الأنظار نحو مشهد الهيب هوب المصري، وهي السنة التي بدأت فيها أسماء جديدة بالظهور على الساحة. كنا نتابع الشباب القادمين من الإسكندرية والإسماعيلية وباقي المدن، ونراقب عن كثب ما سيقدّمونه. كان الشغف والفضول يعكسه انتباه الجماهير، التي كانت تنتظر لتعرف كيف سيستغل جيل زد التقنيات الجديدة، وما الذي سيضيفه إلى المشهد الموسيقي.
ويجز كان واحدًا من هؤلاء، يختبر مساحة فنية بين الراب والتراب والمهرجانات، وبدأ في رسم هويته الخاصة. مشاهدته على مر السنين تشبه تتبع خط من الشخصيات المتطورة: الصبي العاطفي الشاب الذي سكب قلبه في أغنية "ساليني" على أسطح الإسكندرية، إلى الهشاشة التي كشف عنها في "دايره ع المصلحة" مع مروان بابلو، حتى "باظت" التي كشفت عن حسّه الفكاهي، والعديد من المراحل الأخرى حيث لم تختفِ البساطة أبدًا، حتى مع تألق نجمه.
عندما قدم مهرجان "خربان" مع السادات وعمرو حاحا، وسّع دائرة جمهوره في عالم المهرجانات، وأظهر مرونة بأسلوبه وقدرته على تقديم صوت جديد. ثم جاءت "دورك جاي" مع مولوتوف، لترسخ حضوره في التراب الشعبي، ولتبدأ المصطلحات والتعابير التي يقدمها ويجز بالانتشار في المشهد، وقد جمعت بين الثقافة الشعبية واللغة الشعرية، مع تنوع واضح في الجنرات.
قد يكون تنوّعه في التنقل بين الأنواع الموسيقية مرتبطًا باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، الذي تحدث عنه بصراحة خلال المقابلة. لا يخفي ويجز ما يمرّ به، بل يعترف بذلك ويجد طرقًا للتعامل معه. حيث يشرح "كلُّه تطوُّر للذات. الفن جزء لا يتجزأ من الحياة. الحياة جميلة وبحاول أتعايش و بحاول اتبسط باللي معايا، وبحاول أبص قدامي وأركز في اللي بإيدي. عندي ADHD، كلنا عندنا ADHD في مصر، كلنا "الواد ده شقي بس شاطر"، كلنا الواد ده".
ربما كان أثر الـ ADHD، الذي تعلّم مقاومته بأن يركز على مهمة واحدة حتى ينهيها ثم ينتقل إلى شيء آخر تمامًا، أو ربما تأثيرات طفولة تنقّل خلالها بشكل متواصل بين المدارس حيث كان دومًا "الطفل الجديد" كما ذكر سابقًا. لكن كل ذلك ترك أثره في أسلوب صياغته لموسيقاه. ففي كل مرة يُتقن صوتًا معينًا، ينتقل إلى آخر، رافضًا البقاء في مكان واحد.
"البخت": نقطة تحوّل عبرت عن شعور وربطت الملايين
خلال المقابلة يحاول ويجز أن يجيب على الأسئلة بدبلوماسية. نحاول التسلل إلى قائمة أغانيه المفضلة فلا يفصح سوى عن جاستن بيبر في سنوات المراهقة، وديو الهيب هوب "موب ديب". وعندما نسأله عن التأثيرات القادمة من المنطقة يجيب "طول الوقت إنت ماشي في الشارع مزيكا، يعني مصر معروفة، كل ما تروح تشتري حاجة تلاقي حد مشغل مزيكا، فطول الوقت إنت بتسمع كل حاجة updated".
سنة 2022 كانت "البخت"؛ واحدة من تلك الأغاني التي يمكن أن نسمعها في أي مكان في مصر، من الحفلات والنوادي الكبيرة، إلى التكاتك والمواصلات، حتى وصل صداها إلى المنطقة كلها، وصارت أغنية الحب الأولى للشباب دون منازع. إلى جانب الإيقاع الموسيقي المتأثر بالأفرو بوب والذي أخرج ويجز إلى مساحة جديدة، كانت الكلمات هي المحرك الأساسي لهذا النجاح، وتحديدًا بساطتها وأن كل شخص يستطيع أن يشعر بالارتباط بها.
اختار ويجز طبقة غنائية قريبة من البلوز، متحررًا من القيود التقليدية للراب الصارم أو تأثيرات الأوتوتيون المبالغ فيها. رفعت أغنية "البخت" سقف التحدي في المشهد الموسيقي وأسست لنوع جديد يمزج بين تأثيرات الإندي والبوب والهيب هوب، لكنها حقيقةً لم ترفع سقف التوقعات بالنسبة لويجز نفسه. يقول عن ذلك: "مش قرارك الشخصي إن الناس يعجبها الأغنية أو ميعجبهاش، أو تاخدها في أي منحنى أو تنتشر قد إيه".
بهذه الطريقة، يكون ويجز دائمًا في حالة بداية ونهاية، أو ربما مجرد تحول. يتحول إلى رابِر، يتحول إلى نجم بوب، يتحول إلى متصدر قوائم الأغاني، يتحول إلى فنان عالمي. يزداد حكمة وثقة. وبالرغم من تساؤل الجماهير حول ما إذا كان تحوله إلى البوب بأغاني مثل "البخت" و"أميرة" يعني تخليه عن الراب، يظل حازمًا بشأن موقفه.
كان ويجز من أوائل الفنانين الذين خرجوا من حدود مشهد الراب المحلي، ليجرب في اتجاهات مختلفة من دون أن يلتزم بجنرا واحدة، وهو ما جعل شريحة واسعة من الجمهور تتردّد أحيانًا في تصنيفه على أنه رابر بالمعنى التقليدي. لكن حين سألناه عن موقعه في المشهد اليوم، فاجأنا بإجابته الواضحة بأنه لا يزال في قلب المشهد: "أنا في center الراب المصري، ما قربتش ولا بعدت، هي الحاجة الي أنا بحبها وابتديت أعملها في الأول قررت إن أنا ما أوقفش عندها، لأن أنا بحب الراب وبحب المهرجانات ودول الفنين الأولانيين الي كانو بالنسبة لي ملهمين عشان أنا أبتدي أشتغل أصلًا".
النجومية لا تقيّد: فلسفة ويجز في البقاء حقيقيًا
لطالما أراد ويجز أن يبقى في مركز الهيب هوب، ولهذا كان دائمًا يسعى لتجريب جنرات جديدة وتوسيع آفاقه الموسيقية. في العام الماضي 2024 أطلق ألبومه "تنكر" الذي حمل نوع الرايج راب، محاولة لإدخال لون جديد إلى المنطقة وتجربة مساحة مختلفة في موسيقاه. وقد أخبرنا في المقابلة: "أنا ما مابقفش قصاد التطور. بالعكس، إنت لازم تغير اللوكيشن عشان تفكر أحسن"، ورغم أن هذه التجربة حملت ملامح جديدة بعيدة قليلًا عن ما يعرفه الجمهور عن ويجز، يحسب له أنه واصل طريق التجريب واستكشاف الأصوات المختلفة.
عاد بعدها إلى صوت التراب الشعبي في "الوعد" التي دخلت إلى القوائم، بعد أن كان واضحًا أنه أعاد فيه ضبط إيقاعه مع مشهد الهيب هوب ليسّن كلمات لاذعة يوجهها إلى المشهد، خاصة بعد سلسلة من التصريحات والتعليقات المختلفة من رابرز المشهد بأنه ترك الراب ولم يعد إليه.
ينسجم هذا الدافع نفسه في ألبومه "عقارب"، الذي سيصدر بعد أيام، ويمزج بين موسيقى الأفرو والهيب هوب، والآر-أند-بي. هذا هو نمط حياته: لا شيء ثابتًا أبدًا، دائمًا يعيد تشكيل نفسه، دائمًا في تطور إلى أن يصبح من يريد. يقول عن ذلك: "ودلوقتي حاسس إن أنا لازم أكبر فنيًا وأتوسع في حته، لأن خلاص فانز الراب عارفني وفانز المهرجانات عارفني، وفانز البوب عارفني".
يؤكد أن الألبوم ليس مجموعة إصدارات، بل هو عمل تكاملي يحتوي على كل العواطف المترابطة للأيام والليالي التي استغرقها لإنجازه. يحكي الألبوم مشاعر الإنسان على مدار يوم كامل من طلوع الصبح إلى انتصاف الليل، حيث تحمل كل ساعة شعور مختلف، يوثقها ويجز كما يراها.
الوصول إلى قمة المشهد بمصر في عمر 28 فقط يشبه العيش كعقرب معرض دائمًا للمخاطر، ليس أمام العالم فحسب، بل أمام نفسه؛ دائمًا على بعد لسعة واحدة من التدمير الذاتي. ويجز لا يبدو متعلقًا بالشهرة، ربما لأنه يعرف أنها هذه اللسعة الخطيرة. عندما سألناه عن كيفية التعايش معها، اكتفى بهز كتفيه قائلاً: " أنا بحب أكون grounded، وأروح أقعد بمكان محدش فيه يعرفني وأمارس حياتي بمنتهى الطبيعية". كل ما يريده أن يمشي، أن يتنفس هواءً نقيًا، أن يشعر بأشعة الشمس على بشرته، وأن يزور اليابان ويجوب المدن البعيدة في موسم الكرز بعيدًا عن الصخب أن يأخذ من هذه التجارب حالات شعورية، تصبح كلمات يكتبها، وفنًا يشاركه مع العالم بهدوء.