في ثقافة الهيب هوب، السايفر ليس فقرة جانبية، بل وثيقة حيّة تحفظ ملامح كل جيل. مساحة مفتوحة بلا سقف، تجمع بين الارتجال والتمرد، وتحوّل الحكايات الفردية إلى ذاكرة جماعية للمشهد.
يعتبر الجمهور العام السايفر حدث موسيقي جذاب يجمع مجموعة من الرابرز ليستعرضوا مهاراتهم على بيت موسيقي موحّد، وفرصة لتلاقي الأصوات المختلفة مثل الديوهات والتعاونات الجماعية في الجنرات الموسيقية الأخرى.
سمعنا أحدث سايفر في المنطقة مع إصدار فيفتي لسايفر "نادي المجال السري" الذي ضم أمساء من مشهدي الراب والمهرجانات المصري مع فيفتي ومروان موسى وزياد ظاظا ودقدق وفانكي (ثنائي الصواريخ) وزوكش ويانج زوكش (ثنائي الدابل زوكش) وعفروتو وأورتيجا وشحتة كاريكا، ومن إنتاج فانكي. يؤدي فيه المشاركين فيرسات شديدة القصر في قالب ارتجالي على لحن مهرجانات.
أعادنا هذا الإصدار بالذاكرة إلى عشرات التجارب المشابهة في العقود الماضية، وحاولنا أن نجمع لكم عينة منها. ففي هذه القائمة لا نختار بالضرورة السايفرات الأقوى فنيًا، لكننا نحاول أن نرصد نماذج مختلفة منها قُدمت في الـ 15 عامًا الماضية، من المسجلة بالاستوديو أو المصورة بلوكيشن، وحتى المقامة في الشارع والمساحات العامة ومستعينة بعناصر التقديم البدائية للجنرا، والتي صُنفت في بدايتها كجنرا "أندرجراوند".
دون بيج وشايفين وديزي دروس وبابي موشكيل وآيون وماستا فلو وسعد جيم ونسيو - فري ستايل هيت راديو (باستضافة مومو بوصفيحة)
في 2013، اجتمع عدد من أبرز الأسماء المغربية في هذا السايفر الذي سبق صداماتهم اللاحقة والبيف الذي اشتعل بين بعضهم. فقد شكّل محطة مبكرة في مسيرة ديزي دروس قبل أن يتحول إلى أحد أشرس خصوم دون بيج. المثير أن ديزي استعاد اللحن نفسه لاحقًا في تراك "المتنبي" (2019) مع تعديلات جديدة.
من جهته، قدّم سمول إكس في فترة نشاطه ضمن ثنائي شايفين مع تشوبي بعضًا من أقوى باراته قبل سنوات طويلة من انفصالهما. أما باقي المشاركين، فاستعرضوا قدراتهم عبر بارات صاخبة عن إنهاء البيفات في جولاتها الأولى، ليبقى هذا السايفر وثيقة بارزة من بدايات المشهد المغربي الحديث.
ليل نوبي وفليكس وحُسَين وتومي جان ووينجي - سايفر معادي تاون مافيا
مثّل هذا السايفر لحظة إعلان قوية لمجموعة معادي تاون مافيا، التي أسست شركتها الخاصة وأدخلت نفسها بثقل إلى مشهد الهيب هوب المصري. كان بمثابة المطرقة التي فتحت جدلًا واسعًا حول "الأحقية" في ريادة الدريل المصري: هل هي لمعادي تاون مافيا؟ أم أبيوسف؟ أم زياد ظاظا؟
أبرز السايفر أيضًا هوية متعدّدة الطبقات لمنطقة المعادي وضواحيها وحلوان؛ من ثقافات القادمين للسكن فيها إليها، إلى أنماط اللغة والأزياء، وصولًا إلى ثراء البارات والعناصر البصرية.
كلاي بي بي جي وبلينجوس وبلي دوج ويانج آر زي ودكة وبارودي - فري ستايل عالمي (لبرنامج Rap Heure استضافة كريم كوكي)
يعد من أبرز السايفرات العربية المستعملة لأكثر من لحن في الإنتاج الموسيقي، حيث تباينت الجنرات المستعملة بين الدريل الثقيل والدريل والموسيقى الشعبية التونسية . وجمعت الموضوعات بين التطرق للتبجح والجانب النفسي للرجال في إطار ضغوط المجتمع. لم يفوت كلاي بي بي جي أيضًا الفرصة للتطرق للأزمات والقضايا الإجتماعية الدائرة ببارات صدامية معتادة، وأداء حماسي. يذكر أن كلاي بي بي جي في سايفر آخر، بنفس المحطة "آي إف إم" كان قد غنى باللهجة المصرية وعلى لحن مهرجانات.
ناس جوطة - ملوك الصفر
أطلقت واحدة من أقدم مجموعات الهيب هوب السوداني، ناس جوطة، سايفر ملوك الصفر احتفالًا بيوم الهيب هوب السوداني في 25 سبتمبر هذا العام. شارك فيه كل من سبستيان، عبادي، راضي، شادو، قاف قدورة، مهاب، حامي العرين، ولي فرحات، ونودي.
تميّز السايفر بمفرداته الشعرية السودانية الخاصة، وأضفى عليه المشاركون طابعًا محليًا أصيلًا، مع بعض النكشات الخفيفة لرابرز الموجة الجديدة الذين يكثرون من استخدام الأوتوتيون.
أرسينيك وأحمد سانتا وهشام رابتور وكريم مدحت وهيما كابوكي وانيس بيك وعمر وام والقزاز وفاروق - سايفر الزمالك
إن لم تكن من محبّي جلسات الراب العفوية تحت كباري الزمالك ومصر الجديدة، حيث البيت بوكس والتجمعات المفاجئة، فربما هذا السايفر ليس لك. لكنّه كان لحظة فارقة جمع بين ثلاثة أسماء وضعت عليها آمال كبيرة: أرسينيك بباراته الحادة التي تجعل أي بيف أمامه مهمة صعبة، وأحمد سانتا الذي أثبت أنه ملك "البوم باب" بمفرداته الكروية الغنية، وهشام رابتور، الذي لا يزال يُلقب "بالموهبة الضائعة"، بعد أن قدّم واحدًا من أقوى فيرسات الموجة الجديدة في "رابتور" مع مروان موسى، لكنه لم يستثمر هذا الزخم في إصدارات مسجّلة لاحقة.
كلاش وشوزان وإس كي آر وأبو نفا وليجيند وعمار بي ولاتينو إكس - سين جديد (تنظيم كلاش)
بعد توقف قصير عن الإصدارات في العام الماضي، عاد الرابر المخضرم كلاش ليطلق سايفر يهدف إلى إنعاش مشهد الهيب هوب السعودي. جمع فيه أصواتًا جديدة من جدة ومدن سعودية أخرى، على إيقاعات تمزج بين الموسيقى الشعبية المحلية وأسلوب الأولد سكول.
النتيجة كانت مساحة عرض لمواهب تمتلك مرونة لغوية وأسلوبية، قادرة على التنقل بسلاسة من الاستعارات المستمدة من الشعر العربي إلى إشارات معاصرة من الثقافة الشعبية العالمية، مؤكدة أن الساحة الخليجية ما زالت تتجدد بدماء جديدة.
راندر واليونق وبيج أي وفورتكس وأرسينيك وبيج مو - سايفر أرابيا
يحافظ هذا السايفر على وحدة موضوعية مميزة: كرة القدم والمهارات الفردية، التي شكّلت محور معظم البارات. ورغم وحدة الفكرة، لم يذُب الطابع الشخصي لكل رابر، إذ ظهرت بوضوح إشارات لمدن سعودية وثقافاتها المحلية، بينما واصل أرسينيك استدعاء مفردات من جذوره السعودية كما اعتاد في تراكاته.
الموسيقى بدورها عكست هذا التنوع: افتتاحية كلاسيكية شرقية بالكمان، تلتها قاعدة تراب ثقيلة أضيفت إليها مؤثرات من الإيقاعات الشعبية الخليجية وهتافات الجمهور، ما منح السايفر طابعًا يجمع بين المحلي والعالمي.
شايفين وأونزا وإل غراندي طوطو وماد وويست - سايفر تشا را
من بين السايفرات التي تركت بصمة خاصة في مشهد الراب في المغرب، يبرز سايفر تشا را الذي صُوِّر أمام برج إيفل بباريس. مشهد أشبه بعطر معتّق يزداد قوة مع مرور السنين، وجاء كإعلان مبكر لسيطرة جيل جديد من الرابرز المغاربة الذين سيحققون لاحقًا نجاحات واسعة بين المغرب وفرنسا.
كان من بينهم سمول إكس، ماد، وطوطو (الذي غيّر اسمه لاحقًا إلى إل غراندي طوطو بما يعكس حالة الهيمنة التي فرضها على المشهد المغربي). لقطات الرابرز الشباب وهم يقفزون بحيوية أمام البرج، مع سلاسة الانتقال بين فيرساتهم، حملت إسقاطًا رمزيًا عن حضور المهجر المغاربي في قلب باريس وأوروبا عمومًا.
الناظر وشب جديد وهيكل، علاء فيفتي، مروان بابلو، رابتور، شاهين، ابن حسني - سايفر المعادي (تنظيم معازف)
في لحظة نادرة لم تتكرر، جمع هذا السايفر أسماء من جنرا المهرجانات مع جيل جديد من مشهدي الراب في مصر وبلاد الشام في بدايات صعودهم، قبل أن يحظى معظمهم بسنوات ذهبية تالية فجّرت شهرتهم.
لفت مروان بابلو الأنظار بفيرس كشف عن موهبته كاسم قادم للهيمنة، بينما مثّل علاء فيفتي صوت المهرجان، فأضفى مشاركة مليئة بالحماسة. من جهته، قدّم شب جديد أداءً بروح مرحة، وتولّى المنتج الناظر صناعة الموسيقى بالكامل.
ما ميّز السايفر أيضًا كان مكان تصويره داخل شقة سكنية، ما منح المشهد طابع جلسات الأصدقاء في العطل، وكأنها مساحة خاصة لصناعة الموسيقى بعيدًا عن الأطر التقليدية.
لمبوق ويوسف 45 وأسترو ورائد وذا أونلي وكي بي في ولمورفين - سايفر لهونجار
لا يقدَّم سايفر لهونجار (وتعني حاويات النقل البحري الضخمة التي تم تصوير السايفر داخلها) كاستعراض فردي لمقاطع راب عشوائية، بل كوحدة كاملة تحمل قصة مستوحاة من مكانها، حيث تُخزّن بضائع الميناء وتتشابك حكايات العمال والطبقات الشعبية.
السايفر قُسِّم إلى جزأين: الأول على بيت تراب، استعرض فيه المشاركون بداياتهم الصعبة وعلاقتهم الأولى بالراب في بيئات لا تساعد على النجاح. أما الجزء الثاني فجاء على بيت بوم باب، حيث تحوّلت البارات إلى مفاخرة بالوصول والإنجاز بعد سنوات من الكفاح.
افتتح لمبوق السايفر بفيرس بارز نجح في تأطير الحكاية، فيما جاءت المشاركات الأخرى مليئة بالعواطف والتجارب، حتى أنها تفاعلت مع أحداث معاصرة مثل الزلازل الأخيرة. تولّى الإنتاج الموسيقي باك تو بي وأيمن بن زارو، ليخرج العمل كتجربة قصصية جماعية متكاملة.
كيرا ذا بلو فيس وأرماندو وأود خالد وديسر وكي سي حمادة والرونج وجينيسيس ونايومي والسين - سايفر العراق (نتظيم بيج هاس)
يمثّل هذا السايفر إحدى أقوى لحظات مشهد الهيب هوب العراقي، بإشراف بيج هاس على بيت دريل من إنتاج يو إس فوكس. العمل قدّم مزيجًا من السرعة والقوافي المحكمة التي لا تترك مجالًا للملل.
برز فيه توظيف إحالات ثقافية متعددة: من حضارات بابل القديمة إلى الاستعارات الأدبية مثل ألف ليلة وليلة والسندباد. كما انعكست فيه هوية الشباب العراقي المعاصر عبر اللعب باللغات واللهجات. فعلى سبيل المثال، قال كي سي حمادة ساخرًا: "بلا هوية ضايع هواية" قبل أن ينتقل للإنجليزية، فيما مزج جينيسيس ببراعة بين العربية الفصحى، اللهجة العراقية، والإنجليزية في فيرس واحد.
هذا التنوع منح السايفر هوية خاصة تعكس التناقضات والتحولات الثقافية التي يعيشها الجيل الجديد في العراق.






