ضمَّ أرشيف العملاق الراحل صباح فخري آلاف الأغنيات عبر مسيرته التي ابتدأت في مدينته حلب وعلى أيدي موسيقييها وأساطير الطرب فيها في أربعينيات القرن الماضي، أما كملحن فعدَّ له المؤرشفون ما يقارب ثلاثين لحنًا تنوعت قوالبها الموسيقية. في الذكرى الثانية لرحيل صباح فخري، نعود بالذاكرة إلى نوادر ما لحنه سواء من مواويل أو موشحات أو قصائد.
يأتي الموال السبعاوي ضمن بدائع مسيرة صباح فخري وقد تفنن فيه على نحو خاص. ينحدر الموال السبعاوي من شمال سوريا، وهو موّال تتحد فيه قافية الأبيات الثلاثة الأولى، ثم ينتقل إلى قافية ثانية في الأبيات الرابع والخامس والسادس قبل أن يعود إلى القافية الأولى في البيت الأخير. موال يا صاح جرحي خزن هو أول ما لحّنه صباح في مسيرته، مستعينًا بكلمات من الفلكلور: "لا تطلب الجود إلا من نواة الفضل/ أصعب من الموت يدك للندل مدا".
لا تخف ما صنعت بك الأشواق
يغني صباح فخري أبيات الشاعر ابن عفيف الدين التلمساني، عبر لحن وضعه على مقام البيات. والغالب في معظم هذه التسجيلات القديمة أن يقود صباح اللحن بصوته بشكل أساسي، فيما تأتي تقاسيم القانون داعمة في الخلفية أو بين الجمل وكأنها حلي وزخارف على هامش أدائه الصوتي المكتفي بذاته.
غالبًا ما عاد صباح فخري في اختياراته للقصائد التي يغنيها إلى الشعر الأندلسي أو حقب زمنية أقدم، لكنه توجه كذلك في بحثه إلى شعراء معاصرين، فغنّى ولحّن في الستينيات قصيدة سمراء التي نظمها الشاعر فؤاد اليازجي. كان مقلًا بأداء هذه القصيدة في الحفلات الحية، ولكنه أداها في حفله الشهير في فنزويلا عام ١٩٦٨.
درس صباح فخري الموسيقى وفن التوشيح ورقص السماح في حلب على يد أستاذه الشيخ عمر البطش. في منتصف الثمانينيات استضاف برنامج العرب والموسيقى على شاشة التلفزيون السوري طلاب عمر البطش وطُلِب منهم تقديم ألحانهم الخاصة التي ساروا فيها على نهج أستاذهم، فأدّى صباح فخري موَشح غاب حبي عن عيوني من ألحانه. كتب كلمات الموشح الشاعر الدكتور جلال الدّهان الذي كتب لصباح كذلك قصيدة اللؤلؤ المكنون والتي تعتبر اليوم من روائع أرشيفه.
استمعنا إلى هذه الأغنية في مرحلة متقدمة من مسيرة صباح فخري، وجاءت مختلفة عن قوالب الأغنية التراثية التي يقدمها عادة من قدود وموشحات ومواويل، واقتربت أكثر من الأغنية الطربية. كتب أبيات القصيدة الدكتور عبد العزيز محيي الدين خوجة لتروي حكاية فراق عابقة بمفردات الحسرة والشجن، ولحّنها صباح على مقام الكرد، ليفتتحها منفردًا بقيادة اللحن كعادته قبل أن تنضم إليه آلات التخت الشرقي لاحقًا.