أربع ساعات ونصف من الانتظار، وعدة كيلومترات من المشي تحت حرارة مايو الحارقة، وطرقات مغلقة. لم يكن الوصول إلى مسرح عمرو دياب في القرية العالمية بدبي سهلًا.. لكنه كان يستحق.
بدأ الحضور بالتجمع منذ الرابعة عصرًا، في محاولة لضمان موقع قريب من المسرح، قبل أن تغلق كل الطرق المؤدية للقرية أمام السيارات. الجماهير ترجّلت من مركباتها، ومشت لمسافات طويلة للوصول. لكن حرارة الجو، والزحام، لم تمنع عشرات الآلاف من الوقوف لساعات، بانتظار لحظة صعود "الهضبة".
بالنظر إلى كل هذه الظروف، مصحوبةً بالحرارة العالية في دبي التي تبدأ دومًا بالارتفاع في هذا الوقت من العام واضعةً حدًا فاصلًا لموسم الحفلات الخارجية، بدا أن الحضور لسماع عمرو دياب لمدة تتجاوز الساعة بقليل، أمر يتطلب جهدًا ومشقةً بالغة، وإن كان مجانيًا. لكن كل هذا لم يمنع عشرات الآلاف من الترقب بحماسة عالية، اترفعت مع عرض مقاطع ترويجية في الدقائق التي سبقت صعود الهضبة للمسرح، تستعرض محطات مسيرته عبر لقطات حصرية منذ الثمانينات وحتى اليوم، كشاهد على زخم مسيرته الذي لم ينقطع.
صعد الهضبة إلى المسرح أخيرًا، مفتتحًا بأغنيته "يا أنا يا لأ"، ومتنقلًا بعدها بين العديد من هيتاته من السنوات الماضية. في اللحظات القليلة التي تحدث فيها إلى الجمهور خلال الحفل، قال لهم: "أنا عملت أغاني زمان.. بنسميها أغاني Sports Music.. أغاني رياضية. فجاهزين؟ نشوف الـ Fitness أخباره إيه؟" ليبدأ بعدها أداء أغنيته "وياك" التي صدرت ضمن ألبوم يحمل اسمها في العام 2009، من ألحان عمرو مصطفى، وبتوزيعات على إيقاعات الهاوس في فترة شهدت أوج تداخل الإيقاعات الإلكترونية وموسيقى البوب عالميًا.
اختار عمرو دياب لهذا الحفل، كما معظم حفلاته، تشكيلة مدروسة من أغانيه الراقصة، وميدلي نوستالجي طويل لأغاني حقبته الذهبية، وأغاني أحدث أهدأ نسبيًا مثل "شكرًا من هنا لبكرا". لكنه قدمها جميعها بنسخة حية أكثر حيوية، لتتمحور تجربة حفله حول الرقص والتفاعل. لم يهدأ هو نفسه عن القفز والرقص لأكثر من ساعة، حتى يشعر المتفرج أن قدماه لم تلمس الأرض طوال مدة الحفل، وبدا وهو يحمس الجمهور في بداية كل أغنية وكأنه مدرب يقود صفًا رياضيًا من أكثر من 50 ألف شخص، فيضبطهم مع الإيقاع.
مع نهاية الحفل، اختبر عمرو دياب جمهوره بمدى حفظهم لأغنية "وغلاوتك"، التي بدأ يقدمها في الحفلات مؤخرًا فقط، بعدما أظهرت قائمة بيلبورد عربية هوت 100 أن الجمهور يسمعها بكثافة على منصات البث خلال العام الماضي. ومع وصوله لنهاية الأغنية أشار بيده طالبًا من الجمهور الالتفات: "بصوا هناك"، لتبدأ ألعاب نارية مبهرة في السماء خلفهم، ليغادر هو المسرح بعد ساعة من الحماسة العالية، فيما الفرقة الموسيقية تنهي العزف..
سيل بشري بدأ بمغادرة المكان بعد الحفل، بابتسامة عريضة على وجه كل فرد منهم! طاقة فرد واحد على المسرح، انفجرت وانتقلت للآلاف، وكأنها مكافأة منه على حبهم وولائهم للنجم المتصدر لفناني العالم العربي -كما تظهر قائمة 100 فنان. الحفل الجماهيري، كان واحدًا من أربع حفلات معلنة للهضبة في مدن مختلفة هذا الشهر فقط.. لكنه مثال واحد كفيل لنفهم، كيف لفنان واحد أن يحافظ على الصدارة طوال عقود، وحتى بعد تجاوزه العقد السادس من عمره..