يأتي ألبوم "الرقم الصعب" مختلفًا عن معظم الألبومات الخليجية الصادرة مؤخرًا، إذ قدّم بدر الشعيبي أغاني متنوعة في ألحانها وأساليبها الموسيقية، مبتعدًا عن الإيقاعات الخليجية والنغمات الكلاسيكية التي تُثقل الأغنية الخليجية. يشمل الألبوم تعاونات مع أسماء بارزة من كتاب وملحنين وموزعين، إلى جانب تجارب يقدمها بأسلوبه الخاص.
يعكس هذا التنوع وعيًا فنيًا واضحًا، إذ لا يبدو مجرد بحث عشوائي عن أشكال جديدة، بل محاولة يؤكد فيها بدر الشعيبي على هويته الفنية. تأتي النتيجة في ألبوم مكوَّن من ثماني أغنيات، غني بالأفكار والتفاصيل، ما يتيح للمستمع التمييز بسهولة بين بصماته الموسيقية.
نضع هنا ترتيبًا لأغاني الألبوم بعد الاستماع الأول، من الأضعف إلى الأقوى، مع تحليل سريع لنقاط القوة في كل تراك:
زي الكاميرا
تُعد "زي الكاميرا" الأغنية المصرية الوحيدة في ألبوم "الرقم الصعب"، ما جعل التوقعات المسبقة حولها مرتفعة، باعتبارها تمثل خطوة انفتاح من بدر الشعيبي على لون موسيقي جديد ولهجة مختلفة. غير أنّ المفارقة أن هذا الانفتاح جاء في الحلقة الأضعف من الألبوم.
على الرغم من تعاون الشعيبي مع أسماء بارزة مثل الشاعر الغنائي عليم والملحن عمرو الشاذلي، والموزّع عمرو الخضري، الذين يقفون خلف عدد كبير من الهيتات خلال السنوات الأخيرة، لكن الأغنية لم ترقَ إلى مستوى التطلعات.
بدت كلمات "زي الكاميرا" ضعيفة ومثقلة بمحاولات متكلفة لخلق لغة شعرية عبر تشبيهات مباشرة مثل "الكاميرا" و"الحفرة" و"المسألة الرياضية"، وهي صور افتقرت إلى العمق والجمالية. غير أنّ اللازمة أضافت إيقاعًا أكثر سلاسة وخفّفت من وطأة الاستماع، لكنها لم تكفِ لسد الفجوات في البناء العام للأغنية.
شي لله
قدّمت "شي لله" تجربة استماع لطيفة، ارتكزت على تداخل تدفّق دافي السريع مع أداء بدر الشعيبي الغنائي، فبرز حوار موسيقي متوازن بين العاطفة والمرح، مع لمسة شبابية واضحة في التكرار والإصرار.
ورغم خصوصية تجربة التعاون بين الشعيبي ودافي، جاءت الأغنية محدودة الأثر، وافتقرت إلى لحن وتوزيع يضاهيان الجاذبية التي تتمتع بها معظم أغاني الألبوم، وكان اختيارها لتكون الأغنية المنفردة التي طرحت قبل شهرين من إصدار الألبوم خيارًا غير موفق.
متل البحر
بدأت "مثل البحر" بضربات بيانو ناعمة ترافقها أصوات من أعماق البحر، قبل أن يظهر صوت بدر مغلّفًا بتأثير يوحي بالبعد، كأنه يغني من عمق داخلي غامض.
وقد منحت هذه المقدمة الأغنية جاذبية خاصة، لتصبح واحدة من أجمل افتتاحيات أغاني الألبوم. وجاءت الكلمات بصور شعرية ذاتية، حيث شبّه بدر الشعيبي نفسه بالبحر بتناقضاته، بهدوئه وعواصفه. ومع ذلك، فقدت الأغنية بعض جاذبيتها مع مرور الوقت، نتيجة تكرار الصور التي تؤدي إلى المعنى ذاته.
التاريخ
برزت أغنية "التاريخ" كواحدة من أكثر الأغنيات عذوبة وصدقًا، كتب كلماتها بنفسه ولحنها أحمد العبدالهادي، فيما تولى بدر كرم مهمة التوزيع، فجاء العمل متكاملًا من حيث الإحساس والرؤية الفنية.
يبرز في أغنية "التاريخ" الدمج المتقن بين الجيتارات الحية والإيقاع الخليجي، ما منحها نغمة دافئة وقريبة من القلب، تجمع بين الكلاسيكية والعصرية في آن واحد. وتشعر وكأن بدر الشعيبي لا يغني فقط، بل يروي فصلاً من حياته بصوته وعاطفته وانفعالاته.
تستحضر الأغنية بعض ملامح أغنية "برافو عليك" التي حققت نجاحًا كبيرًا، خصوصًا في فكرة الحب الذي يغيّر نظرتك للحياة، إلا أن "التاريخ" تسير في مسار مختلف وأكثر خصوصية.
يلا نغني
في أغنية "يلا نغني" قدم الشعيبي تجربة خفيفة ومنعشة، تحتفي بالحب والحياة على وقع إيقاعات لاتينية، في عمل يفيض بالبهجة والطاقة الإيجابية. تنتمي الأغنية إلى نوعية الأعمال التي تزرع الابتسامة فورًا وتثير الرغبة في الرقص والغناء معها.
جاء الفيديو كليب مشرقًا تمامًا كاللحن، بأسلوب يذكّر بأفلام الكوميديا الرومانسية الراقصة، ليحتفل بفكرة الحب من أول نظرة بطابع شبابي وحيوي. وقد خدمت الصورة المعنى بصريًا من خلال مشاهد صيفية مرحة وألوان نابضة بالحياة تعكس روح الأغنية ومزاجها.
نرجسي
تُعد أغنية "نرجسي" واحدة من أذكى وأجمل محطات الألبوم، فهي ليست مجرد أغنية بل مشهد درامي متكامل، تُروى فيه الحكاية بإيقاع لاتيني جذاب مدعوم بآلات حية أبرزها الجيتارات، بينما تتخللها فواصل موسيقية ذكية توحي وكأن فرقة فلامنكو ترقص في الخلفية.
كتب كلمات الأغنية الشاعر عذبي الدبيس ولحنها أحمد العبدالهادي، فيما تولى بدر كرم مهمة التوزيع، ليجتمع هذا الثلاثي في عمل متكامل على مستوى الفكرة والصوت والشكل الموسيقي.
كما أن اختيار عنوان "نرجسي" لم يأتِ عاديًا، فهو يفتح الباب لتأمل الحالة النفسية والاجتماعية للأغنية، ملخّصًا الحكاية بإدراك عميق وتصالح مع النفس.
الرقم الصعب
قد يوحي عنوان "الرقم الصعب" بتفاخر بدر الشعيبي أو ثقته الزائدة، لكن مع بداية الأغنية تتبدد هذه الفرضية، ليظهر عمل غنائي رومانسي بامتياز، يفيض حبًا وغزلًا ويكشف الجانب الناعم والعاطفي من شخصية بدر الفنية.
جاء الإنتاج الموسيقي في الأغنية ملفتًا، إذ ينتقل بسلاسة بين أنماط متنوعة تبدأ بإيقاعات إلكترونية عصرية تتخللها بعض الكلمات الإنجليزية، ثم تنساب إلى فواصل موسيقية ذكية يطغى عليها صوت الأكورديون، قبل أن تتحول النغمة تمامًا نحو إيقاع المقسوم في نهايتها، في توليفة غير مألوفة في الأغنية الخليجية المعاصرة.
تُعد هذه الأغنية واحدة من أبرز محطات الألبوم وأكثرها تميزًا، ليس فقط لتنوعها الموسيقي، بل أيضًا لللمسات الجمالية التي تدفع إلى تكرار الاستماع مرات عدة، حيث يكتشف المستمع في كل مرة شيئًا جديدًا يستحق الانتباه.
للظروف أحكام
ليس من السهل اختيار الأغنية الأفضل في ألبوم "الرقم الصعب"، إذ تحضر اللمحات الشعرية والإبداع الموسيقي في معظم الأغاني. ومع ذلك، إذا بحثنا عن الأغنية الأكثر تكاملًا، فتتصدر "للظروف أحكام".
تبدأ بمقدمة طويلة يطلّ فيها صوت علي نجم، محمّلًا بتأثير إذاعي يوحي باعتراف حميمي في منتصف الليل على الراديو، قبل أن يقاطع بدر الشعيبي هذا البوح بصوت أكثر رومانسية: "نعم مشتاق"، لتبدأ الرحلة.
الأغنية تمثل قصيدة حنين تحمل الانكسار والاعتراف بالعجز، إذ لم ينته الحب بالخيانة بل بالظروف، ما جعله أكثر إيلامًا وقسوة. تنسج الكلمات صورة عاشق عاجز عن الحب مرة ثانية. تتموج الموسيقى على درجات الحزن، مع البايس العالي ولحظات الصمت التي تقطع الإيقاع، فتصنع توازنًا دراميًا ليستمر صدى الأغنية بعد انتهائها.
اشترك بكتابة هذه القائمة نورهان أبو زيد وعمر بقبوق.