في ذكرى ميلاده من كل عام، يتردد صدى صوته الدافىء الرنان ليذكرنا بتفاني رجل لم يتوقف عن خدمة فنه حتى لحظة وفاته على المسرح. بإصدارات وتعاونات أيقونية طوال مسيرته، خلد طلال مداح اسمه كأحد المؤسسين للموجة الموسيقية الحديثة سعوديًا وخليجيًا.
في ذكراه الخامسة والثمانين نختار لكم أكثر أغاني صوت الأرض قربًا منا.
عمر بقبوق
زمان الصمت (وترحل)
"زمان الصمت" هي صرخة الشجن الخالدة في الأغنية السعودية التي لايزال يتردد صداها إلى اليوم. أغنية قدمها طلال مدّاح ليعكس مشاعر الحزن والحنين واليأس، عندما شعر أنه في وادٍ من الصمت، يصرخ فيه ولا يرد الصدى: "وترحل صرختي وتذبل".
في "زمان الصمت"، من ألحانه وكلمات الأمير بندر بن عبد المحسن، يروي طلال حكاية الوجع حين يطول، والحنين حين يصبح وطناً يسكنه الانتظار. يبدأ بمقدمة موسيقية بالكاد تتجاوز دقيقة واحدة، ترسم فيها الوتريات حالة الشجن العامة، قبل أن يحل صمت مقلق يسبق صرخة طلال مدّاح التي ستبقى خالدة في الذاكرة.
محمود عرابي
مقادير
ما بين بساطة كلمات محمد العبدالله الفيصل وألحان سراج عمر، أعطت أغنية مقادير مساحة كبيرة لصوت طلال مداح، ولم يضيّع طلال أي جزء من هذه المساحة. فما بين تقبل حزين للواقع في مطلع الأغنية، ولمحة من الونس والبهجة في باقيها، ترك لنا طلال أيقونة لا تنسى.
ساره وائل
اليوم ممكن تقولي
كتب كلمات هذه الأغنية الشاعر لطفي زيني، وقدّمها لزوجته خلال شهر العسل في بيروت، بينما لحنها طلال مداح وغناها بإحساسٍ عميق. يسترجع الشاعر من خلالها علاقات مرّ بها دون أن يجد فيها التوافق أو المعنى، وكأنّه يساير الحياة دون أن يعيشها حقًا. وفي لحظة يأس، تظهر محبوبته كـ"ملاك" لتنقذه وتغير مجرى أيامه. من أكثر المقاطع تعبيرًا في الأغنية "تسعة وعشرين عام/ ضاعت وسط الزحام"، حيث يشير إلى أنه لم يشعر بأن حياته بدأت فعليًا إلا عند لقائه بها.
ما نسيتيني
"ما نسيتيني" هي إحدى روائع الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، ولحن طلال مداح، وتُعدّ من الأغاني التي تنبض بالدلالات الشاعرية ، حيث يجسّد فيها الشاعر صراع القلب مع البُعد والجفاء.
في هذه الأغنية، يكرر الفنان "ما نسيتيني"، مؤمنًا أن المشاعر الصادقة لا تذبل، حتى لو احترقت جسور الوصل وأُغلقت النوافذ.
(احرقي جسور الوصل بينك وبيني/ وازرعي الأشواك/ غمضي عيونك عسى ما تشوفيني/ واقفلي الشباك/ باقولها مرة لو الحروف مرة/ مستحيل الياس/ باقولها وانتي في الجفا حرة/ إنما الإحساس/ ما نسيتيني)
يوسف علي
ماذا أقول
بالنسبة لي هو تعاون القِمّتَين، طلال مداح ومحمد عبد الوهاب ومن كتابة فتى الشاطىء، وقد أداره موسيقيًا عبد الوهاب بفرادة، فوضع تقديمة تمزج بين الناي والكمان الحزين الشجي والطبلة، مازجًا تلك التوليفة بصوت طلال الرخيم. المطلع يعطي حالة من حميمية المحب، التي يقدمها في البداية بتحفظ يتحرر منه مع كل مقطع تتصاعد فيه الموسيقى حتى يصل لحالة من التجرد والبساطة في المحبة يعبر فيها بكل طلاقة بتعبيرات مثل "أنحني شوقًا على كفيك".
وقد كانت واحدة من مفاجآت العام الأبرز استعمال ثنائي الهيب هوب الأمريكي كليبس والمنتج الموسيقي فاريل وليامز لها كسامبل بتراك "So Be It" مركزين على توليفة العود مع وصلة الكمان الأوركسترالية والمطلع الخاص بمداح لتضفي أناقة على الإصدار المستعرض لرحلة الصعود والثراء الخاصة بهما.
وينك إنتي:
تروي مها عبد العزيز، زوجة طلال مداح أن الأغنية كانت موجهة لابنتيه رشا وسارة، وقد تعلق بهما لأنهما تركتاه في سن صغيرة وسافرتا مع أمهما، وأنه حين سمع كلمات الأغنية من سعود بن بندر أراد تلحينها وغنائها ليعبر لهما عن حبه واشتياقه. بداية الأغنية بإيقاع متصاعد حماسي يتحرك بين أوتار الجيتار والعود وكأن طلال في حالة ترحال يبحث عن حبيبته، ولديه كل الاستعداد أن يترك كل مشاغله وماضيه فقط ليلقاها. يمزج أيضًا بين الخيال والحقيقة حين يتحدث عن لجوئه لجميع الأقرباء ليساعدوه في البحث عمَّن اشتاق لهم ولكن لم يسعفوه. ثم تأتي الجملة الأكثر شاعرية "ما يكفيني خيالي" لتصف حالة الاحتياج الفعلي حيث لم يعد تخيل محبوبته كافيًا كمسكِّن للفراق. كل ما سبق يجعلها واحدة من أجمل وأصدق رسائل الشوق.