من مدينة بورتسودان جاءت جواهر. لعائلة مختلطة، فوالدها مصري من أسوان وأمها سودانية. بدأت هناك مسيرتها مع الغناء في سن مبكرة عبر حفلات المدارس، ثم عملت مدرِّبة فنون شعبية، وغنَّت في الحفلات الصغيرة والأعراس أغاني من التراث السوداني.
في ظل القيود الاجتماعية والسياسية في المجتمع حولها، قررت جواهر الانتقال إلى القاهرة في منتصف التسعينيات بحثًا عن الشهرة، خاصة وأن نصف عائلتها كانت تعيش بمصر.
الإنطلاقة من الأندية النوبية
فور وصولها إلى القاهرة بدأت جواهر مسيرتها في الأندية النوبية والسودانية المنتشرة بالعاصمة، والتحقت بفرقة الفنان النوبي علي كوبانا بحي عابدين، حيث درَّبها على أصول الغناء، وقدمها في أفراح الجاليات السودانية والتجمعات النوبية.
تعرفت في تلك الفترة على منتج كاسيت مغمور كانت متخصصًا في إنتاج الأغاني الصعيدية والشعبية، وقرر اقتحام عالم الأغنية السودانية.
أنتج لها ألبومين باللهجة السودانية هما "حكاية غريبة" و "مرت الأيام" وضمَّا أغنيات حديثة وأخرى تراثية، ولكنهما لم يحققا نجاح يذكر بسبب حاجز اللهجة وخصوصية الأغني.
الصدفة التي غيرت المسيرة
إلا أن دخولها ستوديوهات الصوت المصرية كان نقطة تحول في مسيرتها، هناك التقت بالمنتج الشهير طارق عبد الله صاحب شركة هاي كواليتي، والذي أعجب بتميزها: سمرة ملامحها وتسريحة "الرستا" الأفريقية وطريقة غنائها المختلفة. فقرر أن يقدمها بأغنية ضمن ألبوم كوكتيل مجمع كانت تصدره الشركة دوريًا لنجومها.
في شركة هاي كواليتي قدمها طارق عبد الله للشاعر الشهير مصطفى كامل والملحن صالح أبو الدهب، فصاغا لها أغنية تحافظ على هويتها السودانية وتلامس الروح الشعبية المصرية.
وظهرت أغنية "أسمريكا" ضمن في ألبوم "هاي كواليتي 5" بجانب أغاني لإيهاب توفيق، ومجد القاسم، ومدحت صالح.
https://youtu.be/vvlTYGy5kpA?si=cDklfJMWBZAH4DJe
من "أسمريكا" إلى "حمادة" .. صناعة الأيقونة
حققت الأغنية نجاحًا ساحقًا، حتى أن جواهر روت في برنامج "صاحبة السعادة" أنها سمعت صوتها صدفة يخرج من سيارة تاكسي، فركضت خلفها لتخبر السائق أنها صاحبة الأغنية!
هذا النجاح دفع المنتج طارق عبد الله لتوقيع عقد احتكار طويل معها، ليصدر لها عام 1998 ألبومها الأول "تليفونك" والذي تضمن أغنيتها الأشهر "حمادة".
مزج الألبوم بين اللون الشعبي المصري، والملامح فولكلورية بتوليفة تشبه أغاني فاطمة عيد وليلى نظمي، مع توزيع عصري للموزع أشرف عبده.
أصبحت جواهر واحدة من الأسماء الهامة في حفلات الأندية والأعراس وأعياد الميلاد بعد أن أحب الأطفال أغنية "حمادة".
https://youtu.be/I01YPIQiMJM?si=kwz5DI1lJIf1FaGp
وبنفس الفلسفة قدمت ألبومها الثاني "عالكورنيش" سنة 2000، وضم أغنيات مثل "أبو علي" و"الأسمراني" وكذلك أغنية "محكمة الحياة" التي غنتها مع حمادة هلال، ونجحت أغنيته الرئيسية نجاحًا كبيرًا .
في ألبومها الثالث "سمارة" والذي طرح عام 2002 حافظت جواهر على نفس منهجها الغنائي، ونفس فريق العمل الذي قاده الشاعر مصطفى كامل والملحنين عصام اسماعيل وصالح أبو الدهب وبالطبع الموزع أشرف عبده، وضم الألبوم أغنيات مثل "سمارة" و "دونجوان" و "جوزوهاله" و "حايلوه"، وحقق مبيعات جيدة.
https://youtu.be/6ERHB4iM9bE?si=FUYVX65OLTtG5s9r
المنافسة التي غيرت الساحة
ومثلما ساعد خلو الساحة من أصوات نسائية شعبية سببًا في صعود جواهر، كان ظهور أصوات جديدة عام 2003 سببًا في انحسار نجوميتها .فقد انطلقت موجة الفيديو كليب اللبناني مع نانسي عجرم وهيفاء وهبي، وبزغت نجومية شيرين عبد الوهاب بأغنية "آه ياليل"، وظهرت مطربات شعبيات مثل هدى وأمينة.
من جانبها لم تستطع جواهر تجاوز حدود لونها الضيق أو قدراتها الصوتية المحدودة في مقام السلم الخماسي. انعكس هذا على ألبومها الرابع "أنا لك" الذي صدر عام 2003 ولم يصمد أمام منافساتها، وزاد من سوء الأمور رحيل أغلب نجوم شركة "هاي كواليتي" إلى "روتانا" وعلى رأسهم إيهاب توفيق وهاني شاكر، فتوقفت الشركة عن الإنتاج لعدة سنوات مما أثر على مسيرتها.
رغم ذلك ظلت جواهر مخلصة لشركتها الأولى، حتى أصدرت لها بعد خمس سنوات وتحديدًا عام 2008 ألبومها الخامس بعنوان "اندي" ولكنه مرَّ مرور الكرام، وسط التغيرات الكبيرة في المشهد الموسيقي.
البحث عن الجذور
حاولت جواهر استعادة بريقها من خلال العودة إلى السودان، حيث أحيت حفلات عدة واستُقبلت كنجمة قادمة من القاهرة. لكن الإعلام السوداني هاجمها واتهمها بالتخلي عن لهجتها بحثًا عن الشهرة في مصر.
منذ ذلك الوقت، تراجع نشاطها الفني تدريجيًا. حاولت طرح أغانٍ منفردة دون جدوى، فاتجهت لإحياء حفلات الجاليات السودانية في أوروبا. ومع مرور السنوات، أصبحت أغنياتها مثل "حمادة" و "عالكورنيش" جزءًا من ذاكرة الجمهور وذكرياته من زمن الأغنية الشعبية الدافئة.






