"لست لعبتكم. أنا رجل يقف أمام سيارته على شاطئ البحر! ستأخذ هذا الفيديو لتظهرني مجنونًا! من يدفع لك لتستفزني؟. واضح أنك هنا في مهمة محددة، لم تريد الترويج لصورتي هكذا؟ هذا ليس حبًا".
صرخ جاستن بيبر دفاعًا عن صورته أمام عدسة لا ترحم، ومن خلفها غرف أخبار لا تنفك تسأل كل صباح: كيف يمكننا أن ندوّر كل هذا الألم؟
اختمرت قصة صار جاستن بيبر إلى "قنبلة جاهزة"، تنتظر وسائل الإعلام لحظة انفجارها لا أكثر. لشهور، وصفوه بـ"المنتهي"، وراقبوا كل زلّة له؛ من قيادته المتهورة، إلى انسحابه من الحفلات، شجاراته، وحتى ذوقه الغريب في الملابس. كل مشهد كان يُعرض كدليل جديد على "انهياره الوشيك" لا محالة.
تربحت مواقع القيل والقال من مطاردته، وحياته باتت مشاعًا للعامة، ولم تُأخذ مشاعره بالحسبان في تلك التغطيات، حتى رغم اعترافه بمعاناته من "اكتئاب شديد"، وشعوره بالوحدة والقلق.
لكن بيبر ليس حالة فريدة. هو استمرار لسلسلة طويلة من الانهيارات التي تحوّلت إلى فرجة عامة، ويمكن القول أن العالم لم يتوان يومًا عن تحويل معاناة المشاهير إلى جرح مفتوح، وفي حالات كثيرة تحول الإعلام من ناقل للحظة الانهيار، إلى محفز مباشر له أحيانًا.
بريتني سبيرز: "الديفا المختلة"
ما من قصة تجسد استغلال وسائل الإعلام لانهيار نجمة بقدر ما حصل مع بريتني سبيرز في عام 2007. ففي منتصف العشرينيات من عمرها، كانت بريتني تخوض معركة حضانة شرسة، وتتعرض لملاحقة يومية من المصورين. بلغ التوتر أشده عندما حلقت رأسها، وخرجت لتضرب سيارة أحد المصورين بمظلة.
أسبوعًا بعد أسبوع، غزت صورها حليقة الرأس وبائسة كل المجلات، وكانت العناوين تسأل ما يوحي سلفًا بإجابته: "ما بها" "هل فقدت عقلها"، وصولًا إلى غلاف مجلة Us Weekly الشهير: "مختلة!، يعلو صورتها المبتسمة!
أسفرت هذه التغطية عن ولادة صورة النجمة المهزوزة، والتي كانت يقال أنها السبب الرئيسي في وضعها تحت وصاية قانونية صارمة استمرت 13 عامًا. ولم يتغيّر الرأي العام إلا بعد سنوات، مع حركات تضامن وأفلام وثائقية انتقدت كيف جرّدتها وسائل الإعلام من إنسانيتها وحوّلت معاناتها النفسية إلى فرجة ممتعة.
يي: "في انتظار النوبة التالية"
مرة فنانًا عبقريًا ومتحدثًا لاذعًا، ومرات رمزًا للفوضى النفسية والاضطراب. منذ سنوات، أفصح يي عن إصابته باضطراب ثنائي القطب، واصفًا المرض بأنه "قوته الخارقة"، لكنه لم يسلم رغم ذلك من التداول الإعلامي الذي غالبًا ما يصوّره على أنه فاقد السيطرة.
برامج الحوار الكوميدية قلدت خطاباته، ومواقع التواصل امتلأت بالميمات عن آرائه الجدلية وأسلوبه في التعبير عن نفسه، حتى بدا أن "يي المجنون"، بات شخصية الجمهور المفضلة، وطعم النقرات الأشهى لجمهور ينتظر "نوبته التالية"!
شينيد أوكونر: "الشاردة"
قبل فاجعة وفاتها عام 2023. تحدثت شينيد أوكونور عن كيف زادت الأضواء الإعلامية من معاناتها النفسية. "وسائل الإعلام ركلتني لسنوات"، قالت، مشيرةً إلى الأثر العميق لتلك الملاحقة الإعلامية على استقرارها النفسي.
في عام 2016، وفي شهر التوعية بالصحة النفسية تحديدًا، اختفت أوكونور بعد نشرها رسائل انتحارية على فيسبوك، وأثناء بحث الشرطة عنها، اختارت أحد الصحف البريطانية الكبرى أن تجري تغطية مباشرة لرحلة البحث عنها، في مشهد أقرب لمطاردة بوليسية منه لإنقاذ امرأة معرضة للخطر.
إيمي واينهاوس: ميمز حتى النهاية
تسفيه معاناتها أصبح محل انتقاد بعد وفاتها عن عمر 27 عامًا، وباتت مثالًا صارخًا على الفشل الإعلامي في التعامل مع مواضيع الصحة النفسية، لسنوات طويلة سخرت وسائل الإعلام من إيمي واينهاوس واستخفت بمعاناتها. أطلق مقدمو البرامج الكوميدية نكاتًا قاسية عنها، وأشهرها حين شبّهها أحدهم بحصان، وآخر تكهن أن ألبومها التالي سيكون عن الكوكايين حتمًا.
انتشرت آلاف الصور لإيمي بهيئة هزيلة متعبة، ورافقتها كلمات جارحة مثل "المضطربة" أو "المحطَّمة"، التي تلقفها الجمهور حينها بشيء أقرب إلى الاستمتاع بالمأساة بدلًا من القلق.
مايكل جاكسون: "غريب الأطوار"
سلوكياته "الغريبة"، مثل ارتداء الأقنعة أو النوم في غرف الأكسجين، تصدرت العناوين وأكسبته لقب "Wacko Jacko" رغم مناشدته المسترة للإعلام: "أنا لست جاكو، أنا جاكسون"، راجيًا إلا يعاملوه كمجنون.
لكن الرواية الإعلامية كانت أقوى، فحتى سلوكياته التي قد تعبر عن هوس بالنظافة أو مجرد تفضيل شخصي، تحولت إلى أدلة على "جنونه". وبينما كان الجمهور يستهلك تلك القصص بنهم، كانت آثارها النفسية تتراكم، حتى باتت جزءًا لا يتجزأ من معاناته المزمنة، التي رافقته حتى وفاته.
مع وجود مؤشرات على التغيير في العقد الأخير، وبدء بعض المؤسسات الإعلامية تبني لهجة أكثر احترامًا وإنصافًا في موضوعات الصحة النفسية، قد يخيل لنا إن تكرار ما حدث لبريتني "لم يعد مسموحًا". لكن في ظل استحالة الرقابة، وعالم بات في الكل مصورين، هل يمكن حماية الفنانين من تداول معاناتهم وتدويرها في حلقة أبدية؟