أصدر الفنان الشاب محمد شاكر أغنية جديدة بعنوان "إلى أبي" التي يقدمها كإهداء لوالده النجم فضل شاكر بعد أن توجه الأخير بداية الشهر الحالي لتسليم نفسه للسلطات اللبنانية في محاولة لتبرئة ساحته أمام عدد من الاتهامات السياسية والأمنية.
لكن الأغنية في الواقع لم تكن رسالة من محمد فقط، فالفريق ذاته الذي أمضى هذا العام منذ بدايته يصنع الأغاني بصحبة فضل شاكر، اجتمع من جديد بعد غيابه ليكثفوا مشاعرهم حول هذه التجربة في دقيقتين سريعتين. كانت جمانة جمال صاحبة الفكرة الأساسية، فتولت كتابتها ولحنتها، ثم عرضتها على محمد الذي وافق على غنائها متأثرًا -كما أخبرتنا في وقت سابق هذا الأسبوع- وتولّى التوزيعات حسام الصعبي الذي ضخ الروح في عشرات الألحان التي وضعتها جمانة منذ بداية العام.
تفاصيل ورسائل مضمنة
تولى كل شخص في هذا الفريق الصغير مهمة ترك علامة أو إشارة ذات بعد جمالي خاص، بحيث يكتشفها المستمع بعد التركيز وتكرار الاستماع. في الجملة الافتتاحية، تطلب جمانة جمال "يا طير الطاير عاليرزة/ لو فيك تجيبوا لعندي".. واليرزة هي قرية لبنانية في قضاء بعبدا، حيث تقع وزارة الدفاع، في إشارة إلى المكان المتوقع أن التحقيقات مع فضل تجري فيه.
أما الموزع حسام الصعبي، فترك في منتصف الأغنية تفصيلًا جماليًا بغاية الإتقان، حيث يدخل في الفاصل الموسيقي وبشكل خاطف جملة لحنية سريعة من أغنية "يا غايب" لفضل شاكر، التي كانت من أبرز هيتاته قبل عقدين من الزمن، وكانت كذلك عنوان المسلسل الوثائقي الذي افتتح به فضل عامه ليشرح أبعاد قضيته وغيابه طوال هذه السنوات.
https://youtu.be/dZeLG-s5PsA?si=b81yXfrBd7HxCEJo
حكم أولي
لا يمكننا تصنيف أغنية "إلى أبي" والحكم عليها مع الأغاني العادية، إذ كُتبت ولُحنت ووُزعت دون البناء التقليدي، ودون مقاطع ولازمة، بل صُنعت لتكون رسالة مفتوحة من دقيقتين، يسرد محمد عبرها أكبر قدر من المشاعر الخاصة والشخصية وكأنها مقطع من مذكّرات.
الشاعرة التي وضعت الكلمات تخلت هنا عن أسلوبها المعتاد في صياغة الجمل الرومانسية، وكتبت جمل قصيرة تتناوب قوافيها ثم تنكسر متأثرة بأسلوب كتابة الأغاني الفلكلورية في بلاد الشام وكأنها موال أو أبيات عتابا. أما الموزع فيأخذنا إلى أسلوبه المعتاد الذي تفوق به هذا العام، حيث يتصدر صوت القانون، ويقود كل الألحان إلى مساحة شرقية طربية محكمة التنفيذ.
يختتم محمد شاكر غناءه بعبارة: "يارب يافضّولا يصونك" مستبدلًا اسم والده بلفظ الدلع تحببًا، بأسلوب خلع في لحظة كل التكلف والرسمية عن الأغنية، وأكساها بعدًا شخصيًا وكأنه يغني همسًا لنفسه في غرفته. ومع رقة صوته وأدائه، وتشابه خامته مع خامة صوت والده، تأخذنا هذه الجملة الختامية إلى ذروة الحالة الشعورية للأغنية، حتى يستحيل على المستمع ألا يشعر بتاثر فائض فحتى إن كان لا يعلم القصة الكاملة وأبعادها، ولا سياق صدور الأغنية.
أما لمن تابع القصة عبر السنوات، وشهد خصوصية علاقة فضل ومحمد، يدرك كيف انتقلت هذه الخصوصية إلى الأغنية عبر التفاصيل الصغيرة، لتكون من بين التجارب النادرة في تاريخ الأغنية العربية، التي نسمع فيها الابن يغني للأب الغائب/ الحاضر، وكلاهما في ذروة نجوميتهما.






