وسط زحمة نجوم الكوميديا في السبعينيات والثمانينيات، اختار سمير غانم أن يسلك طريقًا خاصًا به، طريق "كوميديا الفارس" التي تمزج بين المبالغة والخيال والمفاجآت. هذا الفن، المأخوذ عن المسرح اللاتيني، سمح له بابتكار شخصيات طريفة بأسلوب بصري ملفت، بملابس وإكسسوارات غير متوقعة، تعلق في ذاكرة الجمهور سريعًا.
لكن الكوميديا لم تكن ساحة سمير غانم الوحيدة. فقد عرف كيف يدخل عالم الموسيقى والغناء من بابه الخاص، بطريقته الساخرة والخفيفة. رأى فيه العديد من الموسيقيين فنانًا متعدد الطبقات الصوتية، وهو ما برز بوضوح في مونولوجاته الغنائية، عروضه المسرحية، وفوازير "فطوطة" التي أحبّها الجمهور وبقيت حيّة في الذاكرة.
كما قدّم سمير غانم تجارب غنائية مع مطربين شعبيين مثل شعبان عبد الرحيم في مسرحية دو ري مي فاصوليا، وأحمد عدوية في دويتو عيلة تايهة يا ولاد الحلال من فيلم حسن بيه الغلبان.
لكن من بين كل هذه التجارب كان لسمير غانم ألبوم نادر بعنوان "مانا مانا"، شكّل عرضًا صوتيًا لعالم سمير غانم بكل جنونه وعبقريته، حين قرر أن يغني الكوميديا ويصيغها نغمة.
ألبوم “مانا مانا”... ضحكٌ بطعم الحياة
في عام 1985، أطلق سمير غانم ألبومًا كوميديًا بعنوان مانا مانا، ضمّ تسع أغانٍ تعكس مزيجًا من البهجة والسخرية، والمرح الممزوج بكوميديا سوداء. كتب كلمات الألبوم عصام عبدالله وحسين السيد، فجاءت الأغاني محكمة وبسيطة، تتناول مواضيع من صميم الحياة اليومية بلغة مألوفة وسلسة.
تناول الألبوم مواضيع مثل الأرق عند الأطفال في أغنية مانا مانا، والانتقاد الساخر في الكورة مدوّرة حيث يخاطب لاعبٌ الحكم بجملة طريفة: "أنا قلت مية مرة للحكم ميجريش قدامي"، أو اللعب بالكلمات كما في الشانس:
"أما صحيح لو ضحك الشانس / والأيام ضربتلي بلانس."
تلوينات صوتية وألحان تخدم الضحك
لحّن الألبوم محمد هلال وخالد الأمير، ونجحا في تقديم موسيقى مرحة تدعم الطابع الكوميدي. سمير غانم، بدوره، أظهر مرونة صوتية لافتة، غنّى كطفل، أو كرجل صعيدي، وحتّى قدّم الغناء الأوبرالي بأسلوب فكاهي.
تميّز الألبوم أيضًا بأغنيتين على الطراز الشعبي: كونو نونو وأنا مبسوط. وضمن لمسة إنسانية مؤثرة، قدّم أغنية رسالة لزميله الراحل الضيف أحمد، شريكه السابق في ثلاثي أضواء المسرح، وقال فيها: "واهي أيام بتعدي يا ضيف وهنتقابل بلا تكليف."
أرشيف صوتي غني
تشير مصادر فنية إلى أن أرشيف سمير غانم يضم أكثر من 100 أغنية، بعضها صدر في ألبومات مثل كابتن جودة وكوكو واه، إلى جانب مانا مانا الذي يُعتبر أبرز أعماله الغنائية، ومن إنتاج شركة صوت الدلتا.
وفي لفتة وفاء، أحيت الفنانة دنيا سمير غانم ذكرى والدها قبل عامين بإعادة غناء أغنية أوشي من الألبوم بصوتها، تزامنًا مع يوم ميلاده.