يحتفل الفنان محمد فؤاد بعيد ميلاده الرابع والستين بالتزامن مع استعداده لطرح ألبوم جديد، يعود به إلى الساحة بعد غياب استمر خمسة عشر عامًا منذ آخر ألبوماته " بين إيديك" عام 2010.
عودة تأتي بعد مسيرة طويلة امتدت لأربعة عقود، شهدت نجاحات لافتة ومنعطفات حادة، كان آخرها الجدل الذي أُثير حول ألبومه المؤجل، والذي انتهى بتنازل صُنّاعه عن أغنياته لعمر كمال، في تجربة بدت لكثيرين كنسخة مستنسخة من عالم "فؤش".
ورغم كل التحولات، يظل محمد فؤاد محتفظًا بمكانة خاصة في وجدان المصريين. علاقة تتجاوز مفهوم النجومية التقليدية، وتقوم على شعور متبادل بالألفة والانتماء. صوت فؤاد لم يكن يومًا صوت نجم بعيد، بل صوت يشبه الناس، يحمل في طبقاته شجن الشارع وملامح الحياة اليومية. صورة ذهنية رسختها عفويته وخروجه المبكر من قوالب النجومية، فبدا دائمًا أقرب إلى صديق أو أخ، لا إلى نجم فوق العادة.
إعادة صياغة التراث بصوت المراهقين
في مسيرة فؤاد الطويلة عشرات الهيتات الناجحة التي صنعت شخصيته الفنية ورسخت حضوره بهوية مصرية متفردة. بدأت منذ منتصف الثمانينيات مع إطلاق ألبومه الأول "في السكة"، والذي وقف وراءه مجموعة مهمة من الشعراء والموسيقيين، على رأسهم الملحن والموزع مودي الإمام، والموزع محمد هلال، والشاعر الراحل عصام عبد الله، وبتوقيع شركة "صوت الحب" التي يملكها عاطف منتصر، صانع نجومية أحمد عدوية وفرقة المصريين.
قدمت هذه المجموعة فؤاد باعتباره صوتًا شابًا بذائقة شعبية متطورة، تحاكي لغة مراهقي هذه الحقبة، معتمدة على كلمات بسيطة وموضوعات اجتماعية خفيفة، وألحان استندت في بعض الأغاني إلى التراث، مثل أغنية "يلا بينا" المستوحاة من التراث النوبي.
في الألبوم نفسه، قدم فؤاد أغنية "في السكة" التي كتبها ولحنها الشاعر السوداني إبراهيم الكيزاني.
كشفت تجارب فؤاد الأولى عن تأثر واضح بالتراث وبتجربة محمد منير ، مع مشاركة صُناع كانوا شركاء في تأسيس هذه المدرسة، مثل هاني شنودة فتحي سلامة. فأعادوا تقديم أغانٍ ذات طابع نوبي مثل "صدقني يا صاحبي" للملحن أحمد منيب، وأغنية "عزيز عليا النوم" التي قدمت فؤاد كصوت يعيد إحياء التراث بنغمة متطورة.
من أمريكا شيكا بيكا إلى الشجن الخالص
جاء التحول الحقيقي عام 1990 مع ألبوم "اسألي" ، الذي شهد تعاونًا مع جيل أكثر شبابًا، مثل مجدي النجار وحجاج عبد الرحمن وطارق مدكور. حققت الأغنية الرئيسية نجاحًا كبيرًا، لتفتح لفؤاد بابًا أوسع نحو جماهيرية أكبر.
تلت هذه التجربة ألبوم آخر مهم هو "مشينا" عام 1992، وتعمق خلاله فؤاد في اللون الرومانسي الممزوج بالحزن، خاصة في أغنية "موعداني"، وفي الألبوم نفسه، قدم تجربة فريدة مع الموسيقار ياسر عبد الرحمن في مقطوعة بعنوان "شجن" ، لم يغنِّ فيها فؤاد أي كلمات، مكتفيًا بتقاسيم من "يا ليل يا عين"، وكأنه يحاكي تجربة فيروز في مقطوعة "يا ليل" مع زياد رحباني.
بالتوازي مع نجاحه الغنائي، دخل فؤاد عالم السينما بفيلم "أمريكا شيكا بيكا" الذي رسخت أغنيته الرئيسية نجاحه الجماهيري، ومهد لمرحلة أصبح فيها اسم محمد فؤاد حاضرًا في شباك التذاكر كما في سوق الكاسيت، وبدأ مرحلة صناعة "البرسونا" لمطرب يشبه البسطاء ويغني بلسان الناس العادية.
لكن الانطلاقة الأهم جاءت مع ألبوم "حبينا" عام 1994، الذي دشّن مرحلة جديدة عنوانها الشجن العاطفي الواضح بثنائية الشاعر مصطفى كامل والموزع أشرف عبده، خاصة من خلال أغنية "هودعك"، إحدى أبرز أيقونات التسعينيات. أغنية أعادت تعريف جمهور فؤاد، ووسعت قاعدته لتشمل عشاق الأغنية العاطفية الدسمة.
صوت البسطاء ونجم الشباك الجديد
بعد غياب عن الساحة لعامين عاد فؤاد بتعاقد مهم مع المنتج نصر محروس، ليقدما ألبوم "حيران" . حققت فيه أغنية "فاكرك يا ناسيني" من كلمات أحمد شتا، ولحن صلاح الشرنوبي، نجاحًا كبيرًا دعمه كليب سينمائي للمخرجة ساندرا نشأت، قدم صورة مثالية لابن الحارة المصرية العاشق لبنت الجيران، ورسخ هذه الصورة الذهنية عن فؤاد كواحد من الناس.
في العام التالي، كان فؤاد على موعد مع المجد السينمائي بفيلم "اسماعيلية رايح جاي"، محققًا أعلى إيرادات في شباك التذاكر، وأسس لموجة سينمائية جديدة ، وتحولت أغنية "كامننا" لظاهرة ثقافية جدلية ظلت في الذاكرة رغم غرابة كلماتها .
سار محمد فؤاد موسيقيًا في مشروعه بمشاركة الشاعر مصطفى كامل والموزع أشرف عبده، ليقدم ألبوم "الحب الحقيقي" عام 1998. نجاح ساحق كسر معه القالب المعتاد للفيديو كليب عندما صوره مع مجموعة من الأطفال، نالت التجربة استحسان الأجيال الأكبر سنًا، مقدرين محاولته للتغريد خارج سرب كليبات المرحلة التي اعتمدت على استعراضات الموديلز.
المطرب المهموم بحكايات الناس
لم يستمر تعاون فؤاد مع المنتج نصر محروس طويلًا، وفي خطوة مفاجئة عاد إلى شركة"صوت الدلتا" عام 1999، ليقدم واحدًا من أنجح ألبوماته وهو "قلبي وروحي وعمري"، والذي شهد واحدة من أنجح أغانيه "أنا لو حبيبك" والتي أثارت جدلًا اجتماعيًا بعد أن حول الكليب مسارها من أغنية عاطفية إلى قصة تناقش ظاهرة الطلاق والتفكك الأسري. ليؤكد مجددًا أنه صوت الشارع ولسان حال المصريين في أغانيه.
ظل تنقل فؤاد المستمر بين شركات الإنتاج علامة استفهام في مسيرته؛ فبعد هذا الألبوم تعاقد مع شركة مزيكا في ألبوم "شاريني" ثم انتقل عام 2001 إلى شركة روتانا ليقدم معها ألبومه "كبر الغرام" الذي ضم واحدة من أجمل أغانيه، وهي "مش حبيبة حد فينا" كلمات منصور الشادي، ولحن وليد سعد، وتوزيع فهد. بدت الأغنية شكلًا غنائيًا وموسيقيًا مختلفًا على فؤاد، بينما جاءت كلمات الشادي لتطرح فكرة غير تقليدية في العلاقات حول صديقين يقعان في غرام فتاة، لكنها تُحب شخصًا ثالثًا.
في عام 2007، أطلق فؤاد ألبومه "ولا نص كلمة"، الذي ضم أيضًا واحدة من أقوى الهيتات وهي "طمني عليك"، التي أثار لحنها جدلًا كبيرًا، خاصة أنه مقتبس من المقطوعة التركية "إسطنبول أولالي" للموسيقار التركي حسنو سنلنديرجي. المدهش أن فؤاد نسب اللحن لنفسه، ما أثار جدلًا واسعًا، لكنه لم يمنع ارتباط المستمعين بها كواحدة من أهم هيتات مسيرة "فؤش".






