يبدو الألبوم الجديد نقطة تجريبية جريئة في مسيرة الراس، أكثر من أي عمل سابق، إذ يقدّم أرضية جديدة لجمهور الراب العربي من خلال التعبير عن مشاعره عبر قصص الأنبياء في الإسلام؛ وهي قصص حضرت كثيرًا في الأدب والسينما، لكنها نادرة الوجود في الموسيقى. وكما يقول في أحد التراكات: "قالوا كيف هيدا رابر عم يحكي بفكر إسلامي".
يقول لبيلبورد عربية: "هذا الألبوم هو ما كنت أطمح لتقديمه أكثر من أي شيء، لذلك هو يمثّلني أكثر من غيره. انتظرت سنوات طويلة حتى أتجرأ على صناعته".
الراس يكشف لنا عما دار في رأسه
يحكي الراس عن فكرة الألبوم، يقول: بدأت بإحساس بالذنب سبّبته الحرب على غزة. يوضح: "كتبت الفكرة بشكل أدبي، وسريعًا ما اكتملت ككتاب، ثم فكرت بعد ذلك بتحويل الكتاب إلى ألبوم غنائي."
لهذا تبدو المرجعية الأدبية متشابكة بوضوح في معاني الألبوم، مع وجود بعض التراكات التي يصعب فهمها كاملًا قبل قراءة الكتاب. فالتراكات أقرب إلى فصول رواية تكمل كلٌّ منها الأخرى.
رحلة ذاتية طويلة
على سبيل المثال، يشكّل تراك "النية" تمهيدًا مناسبًا للحديث عن فكرة الألبوم. يبدأ بإبراز تقديسه للكلمة، بينما يعدّ "آدم" التراك الأول فعليًا، إذ يعيدنا إلى الإنسان الأول، بأخطائه وإنسانيته. تنطلق الأغنية بمقدّمة موسيقية متوترة من دون صخب، تعتمد على عزف متكرر يعزز القلق والتوتر، مع خلفية صوتية أشبه بصرخة بشرية جماعية.
نسمعه يناجي الله قائلًا: "يا من جعلت بذنب آدم علّمنا/ وضعتَ في عين الهبوط تعالي". وفي "هارون" يتجه "الراس" إلى تمرّد لغوي، مستلهمًا بلاغة هارون النبي، مقابل "سليمان" الذي يبرز في تراك آخر باسمه. يظهر التمرد بوضوح في تراكات مثل "شطح" و"مشفى"، قبل أن يعود تدريجيًا إلى الإيمان في التراكات الأخيرة.
"سليمان" و"هارون": مجاز اللغة لدى "الراس"
يقول "الراس" إنه لم يركّز على الأغنيات المستخدمة في الخلفية بقدر اهتمامه بالإحساس الذي تعكسه. ففي تراك "سليمان" -الذي يُعدّ من الأكثر تميّزًا موسيقيًا- نسمع شيئًا من الأنين والغربة، مصحوبًا بأغنية "خدني من إيديك" الرومانسية. لم يكن الهدف الخلفية نفسها، بل الشعور الذي تُحدثه.
يقول في "سليمان": "كان مطلوب من خيالي إني أملك اللغة". يرى "الراس" أننا كان يجب أن نتعلّم منذ البداية؛ فمعجزة النبي سليمان كانت فهم الإنسان والحيوان، ما يجعل الدرس الأساسي في التراك هو محاولة فهم الآخر. وربما لهذا تحديدًا نلمس في هذا التراك امتلاك الراس الواضح للغة والأداء، وتحكمًا مخضرمًا لا يبتعد عن الروح الدينية العامة للألبوم.
يبلغ التمرّد ذروته في بعض التراكات لإضفاء دراما حقيقية، ثم يبدأ "الراس" بالعودة تدريجيًا إلى الأصل: الإيمان المطلق بالله وإدراك هشاشة الحياة. وفي تراك "محبّة" يقدّم إحدى أكثر رسائله جرأة: "مش أغاني هاي.. تسبيح". أما في "يوسف"، فتتكرر جملة "صرت بعرف.. بعرف" بشكل قد يبدو مملًا للبعض، لكنه يثبت المعرفة دون نفي الشك، مؤكّدًا أن اليقين لا يلغي الحاجة إلى الاستمرار في رحلة الفهم.
رحلة مشتركة مع بو كلثوم
التعاون الوحيد في الألبوم كان مع الفنان بو كلثوم في تراك "كاف نون". يوضح الراس أن بو كلثوم يشاركه الاهتمامات الصوفية، وكان قريبًا من عملية الإنتاج، ما جعله خيارًا مثاليًا لهذا التراك.
ألبوم "سكة الروح" هو رحلة عن الإيمان، والتوبة، والعصيان تباعًا دون انفصال. فكرة ذاتية ومجتمعية ووجودية في آن واحد. ينتهي الألبوم بتراك "رأب"، مسلّمًا كل شيء، أي أن كل حركة في حياة الراس تبدو جزءًا من نفسه التي خلقها الله: الخطيئة والعبادة معًا. إنسان يحمل كل التناقضات: أبيض من لبن طازة/ أسود من تفل قهوة" كما يقول.






