لا يمكن فهم تجربة خليفة أو جي من دون وضعها في سياق المشهد العراقي الذي خرج منه، إذ جاءت مسيرته متأثرة بمزيج من الظروف السياسية والاجتماعية التي شكّلت حياة جيله. ومن مرحلة كانت فيها الموسيقى الشعبية والتقليدية هي المسيطرة، برز جيل جديد من الفنانين الذين استخدموا الهيب هوب كأداة للتعبير عن التجارب اليومية، الصراعات الشخصية والعامة، والواقع المعقد للحياة في بلادهم.
وسط هذا التحول، بدأ خليفة أو جي صياغة مشروعه الفني، مستفيدًا من بيئة فتحت المجال أمام الرابرز للحديث مباشرة عن واقعهم، وهو ما انعكس بوضوح على الثيمات التي تناولها في أعماله.
التجريب بأسلوب الكوميديا السوداء
يُعدّ خليفة أو جي، الذي عاش في بغداد وتحديدًا في حي الجهاد، من الأصوات المؤسسة والمنتمية إلى الجيل زد في المشهد العراقي. تأثر في سنواته الأولى بالرابر الأمريكي وز خليفة، ومنه استوحى اسمه الفني قبل أن يبدأ احتكاكه الفعلي بالمشهد المحلي.
خلال فترة الثانوية، بدأ خطواته الأولى في الراب، وشكّل مع صديقه إم سي دالو وعدد من الأصدقاء مجموعة حملت اسم ذا 56 جانجسترز. لاحقًا أكمل دراسته وتخرّج في اختصاص قريب من الطب، لكنه واصل تطوير مشروعه الفني مستندًا إلى خبرة تراكمت عبر التجريب والعمل مع أقرانه داخل المشهد.
يصف تجربته في واحدة من المقابلات بأنها تعتمد على الكوميديا السوداء لطرح قضايا جادة، فهي بالنسبة إليه هي الطريقة الوحيدة للكتابة عن الحياة في العراق. ومن خلال هذه الرؤية، استطاع أن يدمج بين الراب ولغة الشباب اليومية، ليقدّم أغاني تعكس حياتهم بعد الحرب والفقر والبطالة واليأس المتزايد.
جاءت أولى إصداراته بالتعاون مع الكاد، بعنوان "شريط مسقول". أظهر التراك أسلوبًا مختلفًا عن باقي المشهد في المنطقة يعكس هويته، ليس فقط من خلال اللهجة، بل أيضًا في الموسيقى وطبيعة المشاهد المصوّرة بطريقة بسيطة بالآيفون. هذه التفاصيل أعطت المستمع فكرة واضحة عن البيئة التي ينطلق منها وطبيعة مشواره الفني في بداياته.
النقلة من الأندرجراوند إلى جمهور أكبر
مثلت أغنية "تبسي" خطوة مهمة في مسيرة خليفة أو جي، إذ نقلته من مشهد الأندرجراوند إلى جمهور أوسع داخل المشهد العراقي العام. وقد أكد بنفسه أن الأندرجراوند منح الفنان حرية التعبير والتجريب بعيدًا عن ضغوط السوق، لكن "تبسي" كانت نقطة تحول جعلت أعماله تصل إلى المستمعين خارج الأوساط الضيقة، مع الحفاظ على صوته الخاص وواقعيته في تناول القضايا اليومية.
قدمت أغنية "تبسي" نموذجًا متقدمًا لدمج الراب العراقي مع تجربة حياتية واقعية، حيث تعكس الكلمات الواقع اليومي في بغداد ومدن العراق الأخرى، من الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية إلى انقطاع الكهرباء وقلة الخدمات، بأسلوب مباشر وساخر.
تميز أسلوب خليفة أو جي باستخدام الجمل الحادة والمباشرة، سواء من خلال السخرية أو المبالغة أو اللعب على المفارقات الإجتماعية. كما أظهرت مهارته في الفريستايل، حيث تحركت الجمل بحرية على الإيقاع مع انسجام تام بين الكلمات والموسيقى، وهو ما جعلها تصل إلى أكثر من عشرين مليون مستمع.
أعطته هذه النقلة دفعة قوية ليبدأ بالعمل على تكوين هويته البصرية. في كليباته اللاحقة مثل "باشا" و"على عكالي"، بدأت تظهر عناصر من ثقافته في اختيار الأماكن والملابس والإكسسوارات، مع الحرص على أن تعكس هذه التفاصيل عادات محلية صرف.
ما منح هويته الطابع العراقي هو استعادته المستمرة لعناصر من التراث. فقد أدخل عينات من إيقاعات الشوبي في أغنية "شوباش"، حيث نسمع صوت المجوز، كما استهلها بسامبل من الأغنية التراثية العراقية "طر الهور". كما استخدم صوت الكاسورة، وهو نوع من الطبول العراقية، في إصدارات مثل "ابن المديرة"، ليصبح التراث جزءًا واضحًا من أسلوبه الفني.
فريستيلات وتعاونات
في إحدى مقابلاته، سُئل خليفة عن رأيه في اعتبار الهيب هوب موجة غربية، فأجاب أن الراب في جوهره شعر مقفى على الإيقاع، بدأ في الهجاء، ثم انتقل إلى إفريقيا، وبعدها إلى أميركا حيث لاقى رواجًا كبيرًا مع فنانين مثل توباك وبيغي. ولم يخف استعادته المستمرة للأشعار الشعبية، كما أن طريقة كتابته تمتلئ بالقوافي المتقنة وأبيات تحمل صيغة النثر. ويتجلى ذلك بوضوح في معارك الفريستايل، حيث يقدم عروضه ويلقن خصمه بأسلوب يعتمد على البراعة اللغوية والقدرة على توظيف الإيقاع بشكل مباشر.
دائمًا ما يسعى خليفة أو جي إلى التعاون مع فنانين آخرين لتوسيع نطاق أعماله وتجربة أساليب موسيقية متنوعة. من أبرز هذه التجارب مشروع "أمواج"، الذي جمعه مع فورتكس من الكويت، واستطاعا استخدام الهيب هوب كوسيلة غير سياسية للتقارب ودمج موجاتهما الموسيقية، وقد اعتبر هذا المشروع الأول من نوعه الذي يجمع البلدين في المشهد.
على امتداد مسيرته، يبقى أكثر ما يميّز خليفة أو جي هو صوته العريض وقدرته على حمل ثقل التجربة داخل الأداء نفسه. في إصداره الأخير "بيدي اجت"، تتضح هذه الخصوصية عبر نصّ يدمج السخرية بالواقعية ويكشف طبقات متعددة من النقد الاجتماعي، ليبرز قدرة الراب على نقل تجارب الحياة اليومية والمفارقات الاجتماعية بأسلوب صريح ومؤثر، ليصبح صوتًا يعكس جيلًا كاملاً من العراق.






