اليوم الرابع من أسبوع الرياض الموسيقى
ضمن فعاليات اليوم الرابع من أسبوع الرياض الموسيقى، تناولت جلسة حوارية مميزة بعنوان "نظرة إلى صناعة الموسيقى السعودية: بين المحلية والعالمية"، مفهوم التوازن بين الهوية المحلية والطموحات العالمية في صناعة الموسيقى السعودية. وقد ضمت الجلسة نخبة من المتحدثين، منهم الفنان السعودي مشعل تامر، والرئيس التنفيذي لشركة Better Noise Music دان وايت، والاقتصادي البريطاني وكبير الاقتصاديين السابق في منصة البث الموسيقى Spotify ويل بيج، وأدارها المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة Sound Diplomacy للاستشارات الثقافية والفنية شين شابيرو.
مفهوم العولمة المحلية
افتتح شين شابيرو النقاش بسؤال حول مفهوم الـ"Glocalization" أو "العولمة المحلية"، وأجاب ويل بيج بأن الفهم التقليدي للعولمة قبل 15 عامًا كان يتمحور حول هيمنة العلامات التجارية العالمية، ولكن الدراسات الحديثة أظهرت أن الناس يميلون حاليًا إلى تفضيل المنتجات التي تعكس ثقافاتهم المحلية! ومن هنا، تساءل شابيرو قائلًا: "هل لا تزال الموسيقى المحلية تحتفظ بجاذبيتها لدى الجمهور، رغم وفرة الأغاني العالمية على مختلف منصات البث مثل Spotify؟"
التحولات في استراتيجيات الإنتاج الموسيقي
أشار دان وايت، الرئيس التنفيذي لشركة Better Noise Music، إلى أهمية اللغات المحلية في تحسين تفاعل الجمهور مع المحتوى، كما أكّد على أهمية الاستثمار في إنشاء محتوى محلي بالكامل ومدعوم بأوصاف وترجمات مكتوبة باللغات المحلية. وأضاف قائلًا: "تتمتع الموسيقى السعودية بإمكانات كبيرة تسمح لها بتجاوز النطاق المحلي وتحقيق نجاحات عالمية، ولا شيء يمنع ذلك على الإطلاق، تمامًا مثلما انطلقت موسيقى البوب الكورية نحو العالمية"، مؤكدًا أن النجاح في الأسواق المحلية يمكن أن يمهد الطريق للانتشار العالمي ومشيرًا إلى تجربة البوب الكوري (K-pop) كنموذج.
وقد تحدث مشعل تامر عن تجربته الشخصية كفنان سعودي من أصول لاتينية قائلًا: "على الرغم من أنني أغني باللغة الإنجليزية، فإن موسيقاي تعكس هويتي المحلية"، ووضح أن الشباب السعودي الذي نشأ في عصر الإنترنت يمتلك فهمًا رقميًا عميقًا يمكّنه من التواصل مع جمهور عالمي. كما قد أشار إلى التحديات التي يواجهها الفنانون السعوديون عند استخدام منصات البث العالمية قائلًا: "يُشكّل الغناء باللغة الإنجليزية جسرًا يتيح لي الوصول إلى جمهور أوسع، لكن معظم المستمعين لا يلتفتون للكلمات بقدر اهتمامهم بالموسيقى، حيث يأخذهم اللحن والإيقاع في رحلة حسية تتجاوز حدود الكلمات".
النجاح المحلي كنقطة انطلاق عالمية
أكّد دان وايت على أهمية بناء قاعدة جماهيرية محلية قوية قبل التفكير في النجاح الدولي قائلًا: "حتى إذا لم يتجاوز نجاحك نطاق منطقتك، يُمكنك بناء إرث محلي يدوم مدى الحياة! أما إذا نجحت في الوصول إلى العالمية، سيدفعك نجاحك المحلي نحو المزيد من التألق." ومن هنا، أشار ويل بيج إلى تجربة الموسيقى البنجابية في كندا، حيث نجحت في تحقيق التوازن المطلوب بين الجماهيرية المحلية والعالمية، مما ساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي!
وقد أجمع كافة المتحدثين على أن الموسيقى السعودية تتمتع بإمكانات هائلة تؤهلها لتصبح نموذجًا ناجحًا للعولمة المحلية، بجانب وجود بعض التحديات التي يجب التغلب عليها، مثل قلة الأماكن الموسيقية المتوسطة الحجم التي يحتاجها الفنانون للنمو، كما أوضح مشعل تامر. واختتم ويل بيج الجلسة بقوله: "يتطلب الاستثمار في الموسيقى وقتًا ليؤتي ثماره. فقد بدأت كوريا الجنوبية استثمارها في تطوير صناعتها الموسيقية عام 1997 بعد حصولها على قرض من صندوق النقد الدولي، وتحلت بالصبر الكافي حتى تصدرت هيت "Gangnam Style" المشهد الموسيقي العالمي عام 2012".
وفي الختام، أكد المتحدثون أن الشباب السعودي يشكّل العمود الفقري للمشهد الموسيقي الجديد في المملكة! وعلّق مشعل تامر: "يكمن الأمل في الفن، فإذا ركزنا على مدى صدقنا في التعبير عن ذواتنا بعمق، سنتمكن من التواصل مع الجمهور العالمي بسهولة". وهكذا عكست هذه الجلسة الطموحات الكبيرة لتطوير المشهد الموسيقي السعودي، وجمعت بين الرغبة في الحفاظ على الهوية المحلية والسعي للوصول إلى الجماهير العالمية، وهو المطلوب لإنجاح الموسيقى السعودية على الصعيدين المحلي والعالمي.