"ما أقدرش أبقى سجينة قالب، أنا بمل من نفسي. إحنا منتغير.. فمش ممكن أبقى أنا بتغير واللي بقدمه مش بيتغير". هذا ما قالته سميرة سعيد في الوثائقي القصير الذي أنتجه تلفزيون الشرق عنها مؤخرًا، لتختزل رحلتها الفنية المُثيرة الممتدة لحوالي خمسة عقود، والتي شهدت الكثير من التحولات الكبيرة والتنقلات بين قوالب موسيقية مختلفة. فما هي أبرز المحطات في رحلة سميرة سعيد الفنية؟
علمناه الحب
ارتبط اسم سميرة سعيد منذ أن كانت طفلة بأم كلثوم، لتُسميها الصحافة المغربية حينها "أم كلثوم المغرب"، وذلك بعد تقديمها لأغاني أم كلثوم في الحفلات الملكية، حيث تعرفت على نجوم الطرب المصري، الذين مهدوا لها الطريق عندما انتقلت إلى مصر بعد بلوغها سن السابعة عشرة. سجّلت أولى أغانيها في مصر سنة 1977، وهي أغنية "الحب اللي أنا عايشاه"، التي بدت متأثرة فيها بأسلوب فايزة أحمد التي ساعدتها على إتقان الغناء باللهجة المصرية. تذوقت سميرة سعيد طعم النجاح والشهرة في العديد من البلاد العربية قبل مصر، التي ظل مفتاحها مُستعصيًا على سميرة سعيد حتى غنّت "علمناه الحب" سنة 1982، التي طبعت بها بصمتها في قالب الأغنية الطربية الكلاسيكية.
بلا عتاب
بالتوازي مع تجربتها الموسيقية في مصر، كان لسميرة سعيد تجربة مُثيرة في الموسيقى الخليجية في السبعينيات، إذ تُعتبر أول فنانة عربية تُسجل ألبومًا كاملًا باللهجة الخليجية، وهو ألبوم "بلا عتاب"، الذي تعاونت فيه مع الموسيقار الراحل طلال مداح. تابعت سميرة سعيد خلال رحلتها تقديم العديد من الأغاني الخليجية التي حظيت بشهرة واسعة مثل "السندباد" و"يلي هواك أصعب مراحل" وغيرها.
قال جاني بعد يومين
في سنة 1984، أصدرت سميرة سعيد ألبوم "احكي يا شهرزاد" الذي يُعتبر من العلامات الفارقة في تاريخ سميرة سعيد الفني، فهو بداية التحوُّل من الطرب إلى الأغنية المعاصرة، حيث اعتمدت على الأغنية القصيرة، وبدأت باستخدام الأورغ تماشياً مع التطورات التي طرأت على قالب الأغنية المصرية. الأغنية الأبرز في الألبوم، والمرحلة ككل، هي أغنية "قال جاني بعد يومين"، التي تختزل رغم عصريتها جماليات الأغاني الطربية وتُحافظ على الأصالة. ومن أبرز أغاني هذه المرحلة أيضًا "مش حتنازل عنك أبدًا" و"وحشني بصحيح" والجدير بالملاحظة أن سميرة سعيد لم تتخلى بسرعة عن تقديم الأغاني الطربية الطويلة؛ فألبوم "احكي يا شهرزاد" ذاته، يتضمن أغنية "روح يا زمان" التي تشغل أكثر من نصف زمن الألبوم، والتي تنتمي إلى القالب الموسيقي الأول.
كل دي إشاعات
جرّبت سميرة سعيد العديد من القوالب الموسيقية في نهاية الثمانينيات، تنوعت ما بين الأصالة والحداثة، لتُقدم موشح "يا مالكي" باللغة العربية الفصحى، بالتوازي مع تجاربها بتقديم أغاني شبابية تعتمد على موسيقى الهارموني والنغمات الغربية. ومع بداية التسعينيات، بدأت سميرة سعيد تعاونها مع الملحن صلاح الشرنوبي، الذي طبعت ألحانه هوية سميرة سعيد الموسيقية في تلك المرحلة. قدّمت معه أغاني عصرية وشرقية الهوى، تختزل بخفة ملامح الأغاني الطربية، بالاعتماد على جمل لحنية رشيقة ومتنوعة المقامات، ابتداءً من أغنية "ما بحبش الخصام" التي قدمتها ضمن ألبوم "خايفة" سنة 1992، وفتحت وراءها الباب لعدد كبير من الهيتات التي أصدرتها سميرة سعيد في تلك الفترة، مثل: "كل دي إشاعات" و"عالبال" و"مش حأقدر أوعدك" وغيرها.
يوم ورا يوم
تسأل سميرة سعيد نفسها خلال برنامج "بصمة" الوثائقي الذي عرضه تلفزيون الشرق: "أنا مهاجرة أم وافدة"، في سياق علاقتها المُعقدة بمصر وبلدها الأم المغرب. يبدو الأمر مُعقدًا بالنسبة لسميرة سعيد التي غنّت باللهجة المصرية في ديو جمعها بالشاب مامي في حين أدّى هو مقاطعه بلهجته. أصدرت سميرة سعيد "يوم ورا يوم" في مطلع الألفية الجديدة، وأحدثت بها ثورة على مختلف الأصعدة، لتنحت قالبها الموسيقي الخاص، الذي صاحب نزعتها لمواكبة تطورات الموسيقى العالمية؛ لنبدأ من بعدها نسمع بأغاني سميرة سعيد في جنرات موسيقية غربية متعددة.
محصلش حاجة
عبر تجربتها الموسيقية الفريدة التي تنوعت بها القوالب الموسيقية وتطورت مع مرور الوقت، حرصت سميرة سعيد طوال الوقت على اختيار كلمات تتناسب مع صورة المرأة القوية التي ترغب دائمًا بتقديمها. تتقاطع إصدارات سميرة سعيد على اختلاف جنراتها الموسيقية مع هذه الصورة التي تجمع أغانيها "قال جاني بعد يومين" و"محصلش حاجة" و"قال أيه" و"كرباج" ضمن إطار واحد، الذي يُعتبر العلامة المميزة لكل أغاني سميرة سعيد.
عاصرت سميرة سعيد كل أشكال الإنتاج الفني، ابتداءً من الإسطوانات ومرورًا بالكاسيت والسي-دي ووصولًا إلى منصات الاستماع الرقمية. وفي جميع المراحل، تكيفت مع آليات الإنتاج وعرفت كيف تتعامل معها على النحو الأفضل. وبعد أن أصدرت ٤٦ ألبومًا، آخرها "عايزة أعيش" سنة ٢٠١٥، ارتأت أن شكل الإنتاج الأفضل في الزمن الحالي هو إصدار الأغاني المنفردة. أصدرت خلال السنوات العشرة الأخيرة أغاني سينجل بانتظام وكتبت سطرًا جديدًا في مسيرتها بهيتات عصرية، استخدمت بها أنماط موسيقية منوعة، فقدمت أغاني مع بيتات ديب هاوس مثل "هوليلة" وأغاني روك مثل "إنسان آلي" والكثير من أغاني البوب المصرية المثيرة للاهتمام، أحدثها أغنيتا "كان" و"فن التغافل" اللتان صدرتا مؤخرًا في مطلع العام ٢٠٢٤.