يعتبر أي تكريم للموسيقار عمار الشريعي تكريمًا لأحد المعجزات الموسيقية الحديثة التي شهدها العالم العربي، ليس فقط لمسيرته الذهبية التي شهدت عقودًا من الإبداع الفني، لكن لفردانيته كملحن فاقد للبصر منذ الولادة. ارتبطت مسيرته بالتلحين لأعمال أيقونية في الدراما والسينما مثل ريا وسكينة عام 2005، ومحمود المصري عام ٢٠٠٤، وحديث الصباح والمساء عام ٢٠٠١، وأرابيسك ١٩٩٤، ومبروك جالك ولد ١٩٧٨، والسمان والخريف ١٩٧٨ في الدراما. أما في السينما فوضع موسيقى فيلم حليم ٢٠٠٦،و أحلام هند وكاميليا ١٩٨٨، وليلة القبض على بكيزة وزغلول ١٩٨٨، والبداية ١٩٨٦، رمضان فوق البركان ١٩٨٥، والحب في الزنزانة ١٩٨٣ في السينما، على سبيل المثال لا الحصر. وبعديًا عن التلحين للأعمال الدرامية شهدت مسيرة عمار الشريعي أيضًا تعاوناته مع أحمد عدوية، وبداية مسيرة الفنانة أنغام، وفرقة الأصدقاء المكونة من حنان ومنى عبد الغني وعلاء عبد الخالق، كما ألفَّ الموسيقى الخاصة بمسرحية "الواد سيد الشغال" عام ١٩٩٣، وبطولة الزعيم عادل إمام. كما قدَّم برامج إذاعية وتلفزيونية خاصة به مثل برنامج غواص في بحر النغم الإذاعي، وبرنامج سهرة الشريعي على قناة دريم.
مع نهاية حفلة ألحان الملحن الكبير صلاح الشرنوبي قبل أيام، أعلن معالي المستشار تركي آل شيخ اعتزام هيئة الترفيه تنظيم حفلة مماثلة لأعمال الملحن الراحل عمار الشريعي ضمن فعاليات موسم الرياض لهذا العام، مما دفعنا لمحاولة تذكر أعمال مفصلية ارتبطت باسم الراحل الموسيقار عمار الشريعي في ذاكرة الجمهور العربي.
مية مسا لـ أحمد عدوية - ألبوم طالبينك بالحلال - ١٩٨٤
كان التلحين لأحمد عدوية في الثمانينيات يحتاج قدرًا من الحساسية في التعامل الآلآتي، ففي فترة تألق فيها أحمد عدوية كملك للكاسيت، أصبحت مواويله ذات خصوصية موسيقية تحتاج إلى التنويع في الانتقالات، مع الحفاظ على الإيقاع العام.
وفي مية مسا التي أتت مع كلمات سمير الطائر وألحانه وتوزيعه أجاد الشريعي توظيف الأورج والأكورديون في الإنترو، حريصًا على أن تكون حركات الأورج قصيرة، ومعتمدًا على نوتة عالية تتوافق مع طريقة غناء عدوية، والذي يقوم بتبطيئه خاصة في إيقاع الأورج مع مقطع "يا صباح الخير بليل"، حيث يكثف الطبل مع البايسو، معتمدًا على النقر المتتابع على الدف.
مسلسل رأفت الهجان ١٩٨٧ -١٩٩١
مثَّل مسلسل رأفت الهجان ظاهرة غير مسبوقة كمسلسل بوليسي وطني يتناول عالم المخابرات في ذروة الصراع المصري/ الإسرائيلي في الستينيات وبداية السبعينيات. كانت جملة "من ملفات المخابرات المصرية" المكتوبة على الشاشة مع بداية التتر كافية لحشد الأعين أمام التلفزيونات، لكن أحد العناصر المؤسسة لتلك العلاقة بين المسلسل والمتابع على مر الأجيال هي موسيقاه المقدَّمة بذكاء وإدراك عالي لأهمية الربط بين نوع المسلسل وموضوعه، وتقنيات الموسيقى المستعملة وطبقاتها. تركب تتر البداية من البوق الغليظ، والكمان سريع الحركات مع الطبول في الطبقة الرئيسية. بينما تأتي الطبقة الثانية في الخلفية مع صوت الإيقاع البيسك من السنيرز، والمعبر عن رسمية جهاز المخابرات. وموظفًا الناي من نوتة منخفضة ليضفي اللمسة العاطفية.
أما بعد جرعة الحلقة المكثّفة فيأتي تتر النهاية بإيقاع أسرع، مع العود والتشيلو ودفقات سريعة للطبلة، بالموازاة مع الصوت الوتري للجيتار. ينال صوت التمباني مساحته أيضًا في الموسيقى الخاصة بالمسلسل ممزوجًا بالبوق النحاسي غليظ الصوت كإعلان حرب طوال أحداث المسلسل المهمة، أو الموسيقى المرتبطة بدخلات الضابط محسن ممتاز، رئيس رأفت الهجان في العمل، الجامعة بين الدرامز والهارمونيكا مع التمباني الإلكتروني.
مسلسل عفاريت السيالة - ٢٠٠٤
ليس فقط لأن المسلسل كان من آخر أعمال أحد أهم كتاب الدراما التلفزيونية في العالم العربي أسامة أنور عكاشة، لكن يأتي تميّز اختيار موسيقى وتترات مسلسل عفاريت السيالة كونه أحد التترات القليلة التي غناها مغنون شعبيون. فتح ذلك المساحة لعمار الشريعي لاستعادة نفحات من موسيقاه الشعبية مع أحمد عدوية، خاصة في تترات البداية والنهاية مع المغني الشعبي هاني العيد أو (هاني عبد الفتّاح) الذي يملك نفسًا طويلًا في الغناء مما يتيح إطالة المقاطع المغناة دون فواصل، وبقوافٍ عامية متتابعة في البيت الواحد تميزت بوقع موسيقي نغمي.
قدَّم الشريعي لتلك القوافي لحنًا شعبيًا حديثًا آنذاك، يجمع فيه بين الحالة الاحتفالية التي تضفيها آلة الأورج مع القانون والطبل البلدي والكمنجة، وتأني وعمق وقع العود المعبر عن أصالة تناسب طابع أعمال عكاشة. جمع إنترو التتر بين السيمفونية مع وصلة الأوكورديون المقدّم للحارة الشعبية في الإسكندرية الجامعة بين الثقافة الساحلية وعشوائية المناطق الشعبية: "سالخير يا بحري، يا انفوشي، يا سيالة" قبل أن يتلاعب بالإيقاع الراقص مطعمًا إياه بالطبلة ثم ساكسفون والجرس في "بقا كدة… ليه كدة … فيه كدة … مش كدة".
فيلم البداية - ١٩٨٦
شكّل فيلم البداية، من تأليف وإخراج صلاح أبو سيف وبطولة الراحل أحمد زكي، تحديًا خاصًا للمؤلف الموسيقي مع تناوله لمواضيع التسلط والظلم ضمن قالب اجتماعي ساخر فانتازي. ذهبت موسيقى فيلم البداية بعمار الشريعي إلى منطقة مختلفة، اعتمدت أكثر على الكيبورد والأورج والسنث، خالقة وصلات متقطعة تشبه الأنفاس في وزنها، مع دفقات مكثفة تبدأ من فراغ يشكله الفلوت، وسرعان ما تمتلئ تلك الفراغات بصولو يتفاوت بين البوق الفرنسي والبوق النحاسي، مازجًا أيضًا بين صوت أوبرالي مع صوت نغمة الرنين.