في أكتوبر 2025، عاد الفنان طارق أبو كويك، المعروف باسم الفرعي، ليقدّم ألبومه الجديد "راب شرق النهر"، عملٌ يبدو كأنه يجمع خيوط مسيرة طويلة امتدت لأكثر من عقد ونصف بين الجيتار والراب، بين الغضب والتأمل، وبين الفردي والجماعي. الألبوم الذي ضمّ تعاونات مع أسماء من المشهد الأردني مثل السينابتيك ومسلم والمختار، يعيد الفرعي إلى جذور الراب التي بدأ منها، لكن بنضج صوتي وشعري لا يخطئه السمع.
في هذا المقال، نعود إلى بدايات الفرعي من مسيرته مع الأكوستيك والراب، إلى تجاربه مع الفرق مثل المربّع و47 سول، وحتى تعاوناته مع فنانين مختلفين، لنفهم كيف توج كل هذه المسارات في ألبومه الجديد.
صوت الأكوستيك: الثلاثية الخشبية
منذ بداياته في عمّان أواخر العقد الأول من الألفية، بدا أن الفرعي يسعى إلى شيء يتجاوز القوالب الموسيقية الجاهزة. بدأ بعروض صغيرة في مقاهي العاصمة، يحمل جيتاره ويغني كلمات تنطلق من الحيّ والذاكرة والوجع الجماعي. حتى أصدر عام 2012 عملين فتحا له طريقين متوازيين شكّلا شخصيّته الموسيقية: "صوت من خشب" ألبومه الأكوستيك الأول، و"فرع المداخل" أول ألبوم راب له. منذ تلك اللحظة، صار الفرعي صوتين: صوت هادئ يعتمد الجيتار والكلمات المتأملة، وصوت راب مباشر يعكس رؤيته الاجتماعية والفنية.
بين عامي 2012 و2022، أنجز الفرعي مشروعه المعروف بالثلاثية الخشبية، التي ضمّت ألبومات "صوت من خشب" و"الرجل الخشبي" و"ناس من خشب". اتجه فيها إلى صوت أكثر هدوءًا وتأملًا، مستخدمًا الجيتار والكتابة اليومية كوسيلة للتعبير عن العزلة والتغيّر والعلاقات الإنسانية. لم تقوم هذه الألبومات على الإبهار أو الإنتاج الضخم، بل على الصدق والبساطة، ما جعلها أقرب إلى دفاتر شخصية تعكس مراحل مختلفة من تجربته كإنسان وفنان.
من بين أغاني الثلاثية، تبرز "تغيرتي ليه" من ألبوم "الرجل الخشبي"، التي صدرت عام 2016، وقد خرجت هذه الأغنية من حدود الألبوم لتصبح رمزًا لعصرٍ كان جيل الألفية يدرك فيه أن موجة الثورات قد بدأت بالانحسار دون تحقيق مطالبهم. ظهر الفرعي في الكليب بمدينة لندن، جالسًا على جانب النهر مع جيتاره، وحيدًا، يغني عن الغربة والوجع، في إسقاط واضح على واقع بلاده المتغير والشعور بالاغتراب الداخلي والخارجي.
بهذه الثلاثية، رسّخ الفرعي جانبَه الغنائي والأكوستيك الذي سيظل حاضرًا في أعماله اللاحقة، حتى عندما كان يعود إلى الراب الصرف في ألبومات أخرى.
التعاونات الجماعية: بين الإندي روك والمجوز
لكن طريق الفرعي لم يكن فرديًا تمامًا. فقد كان عضوًا في فرقة المربع، التي تُعدّ من أوائل مشاريع الموسيقى البديلة في الأردن، ومزجت بين الروك والتجريب والكلمات العربية، لتقدّم صوتًا مختلفًا عن التيار السائد في المشهد المحلي. كان الفرعي مشاركًا أساسيًا في ألبوم الفرقة الأول "المربّع 2012"، الذي يُعتبر من أبرز الألبومات التي ساهمت في صعود الإندي في الأردن. شارك فيه بغناء عدّة أغاني أبرزها "يا زين" و"تحت الأرض"، ورغم أن تجربته مع الفرقة لم تكن طويلة، إلا أن تأثيرات الإندي روك رافقته في ألبوماته اللاحقة، خاصة الثلاثية الخشبية.
انضم لاحقًا إلى فرقة 47Soul وهو ما كان مشروعًا مختلفًا عن كل ما قدمه الفرعي سابقًا، حيث مزج الدبكة الفلسطينية بالإلكترونيك والراب. كما قدمت الفرقة في ألبومها الأول عام 2015 "شام ستيب" نواة جنرا جديدة عملت عليها في ألبوماتها اللاحقة مثل "وعد بلفور" و"ساميات". واعتمدت الفرقة على استعادة ألحان تراثية والاعتماد على آلة المجوز وصوت الكيبورد الشعبي الفلسطيني في أغلب إصداراتها.
هذا بالإضافة إلى مجموعة تعاونات واسعة مع فنانين من المشهد الأردني والعربي. فقد تعاون الفرعي مع رلى عازر في أغنية "ولّادة"، ومع مولوتوف في الإنتاج على أغنية "هيعرفوا مين"، التي حملت تأثير التراب الشعبي. كما تعاون مع زيد خالد في أغنية "أبو الزوز"، بالإضافة إلى إصدارات أخرى مع رابرز من مختلف المشاهد، ما أكسبه حضورًا متنوعًا ومؤثرًا في المشهد ككل.
عودة إلى جذور الراب
بالعودة إلى مسيرته بالراب والتي بدأت مع ألبوم "فرع المداخل" عام 2012، الذي وضع أساسًا لصوته الصريح وقدرته على المزج بين النقد الاجتماعي واللغة اليومية. تواصلت هذه التجربة في ألبوم "كمان دفشة" عام 2014، حيث اعتمد على عينات من الموسيقى العربية التقليدية ودمجها بإيقاعات الراب المعاصرة، ما أعطى للألبوم بصمته الخاصة في المشهد الأردني.
بعد سنوات من التجارب الفردية والجماعية، عاد الفرعي إلى الراب في ألبوم "لازم تسعة" عام 2021، ثم في أحدث أعماله "راب شرق النهر" سنة 2025.
على المستوى الموضوعي، يؤكد الفرعي في الألبوم الأخير على هويته المزدوجة، راب وفلكلور مع عناصر سرد القصص، وتسليط الضوء على قضايا الهوية والكبرياء والجوانب الاجتماعية والحياتية اليومية. كما يمثل الألبوم جسرًا بين مساراته السابقة: أقل حميمية من ألبومات الأكوستيك المنفردة، وأكثر ديناميكية من الراب المبكر، لكنه يظل متجذرًا في أصوله الفنية، جامعًا بين الطاقة الفردية والجماعية، والخبرة الطويلة في المشهد.