في مطلع الألفية فوجيء جمهور الأغنية الخليجية بصوت شاب لم يتعد السادسة عشر من عمره يغني بثقة وتمكّن، وكأنه نسخة جديدة من الفنان الكبير محمد عبده. هذا الشاب هو عباس ابراهيم، أما الأغنية فكانت "ناديت" التي ظهرت فجأة عبر قنوات الفيديو كليب، لتحقق نجاحًا خارج حدود الخليج العربي، بل إن المستمعين في مصر ولبنان بحثوا عن هذا الشاب ذو الملامح الطفولية؛ من هو ومن أين أتى؟
اكتشاف الطفل المعجزة
في مدينة جدة عام 1988 ولد عباس ابراهيم حسن عبد الله الحسني. لم تكن لأسرته ميول فنية واضحة، لكنهم شجعوه على تعلم أصول الغناء في أحد الفصول الخاصة التي أسسها الموسيقار غازي العلي أستاذ الموسيقى بجمعية الثقافة والفنون.
هناك تلقى عباس تدريبات الصولفيج وأداء المقامات المشرقية ليتمكن من أدواته كمطرب. وبعدها قدمه العلي للملحن الراحل سامي إحسان، الذي وجد في صوته امتدادًا لعمالقة الأغنية السعودية.
الطريف أن اسم عباس لم يُعجب إحسان الذي رآه كبيرًا على سنه، ففكر في منحه اسم شهرة هو "شادي الحسني"، لكن عباس رفض وتمسك باسمه الثنائي الذي يناديه به أقرانه في المدرسة.
تبلورت نواة هذا الاكتشاف بتحضير ألبوم فولكلوري يقدم أنماطًا مختلفة من التراث الغنائي الخليجي مثل "المجسات" و "المجرور" و "الدانات"؛ تجربة أشبه باختبار لصوت عباس في مواجهة الجمهور دون الحاجة لإنتاج ضخم. وبالفعل صدر ألبوم "اسمعوني" عام 2002 ، إلا أنه لم يحقق نجاحًا يذكر. ورغم ذلك لفت عباس نظر الشاعر الأمير محمد بن عبدالله الفيصل ليقرر رعايته فنيًا ودعمه بانتاج ألبومه الثاني "ناديت".
صدر الألبوم عام 2003 ليضع صوت عباس على ألحان وكلمات كبار ملحني وشعراء الخليج، فلحن له الفنان الكبير عبد الرب إدريس أغنية "أعذريني"، وقدم له عبادي الجوهر لحن أغنية "يسعدك ربي" بل وأهداه عوده الخاص تشجيعًا له. وزين الألبوم أسماء كبيره في عالم القصيدة السعودية، وهم الأمير بندر بن فهد بن خالد، والأمير محمد بن عبد الله الفيصل، والأمير سعود بن بندر، والأمير خالد الفيصل، والأمير بدر بن عبد المحسن.
نجح الألبوم وانتشرت أغنية "ناديت" التي كتبها خالد الفيصل، ولحنها بندر بن فهد، ووزعها فهد، لتكتب شهادة ميلاد عباس الفنية، حتى أن كبار الموسيقيين وصفوه وقتها بالامتداد الحقيقي لطلال مداح ومحمد عبده.
في العام التالي أصدر عباس ألبوم "حبيبي" بدعم أيضًا من الأمير محمد بن عبد الله الفيصل؛ ألبوم قصير ضم خمس أغنيات فقط. لكن اسمه بدأ يتصدر المشهد الموسيقي السعودي وشارك في الاحتفاليات الوطنية بين النجوم الكبار ليصبح أصغر الأصوات التي ظهرت في هذه الفاعليات الكبرى.
حرب باردة.. واتهامات لمحمد عبده
في عام 2005 صدر ألبومه الثالث "لفتة"، الذي ضم 15 أغنية شارك في صناعتها أسماء مهمة أبرزها الموسيقار عبد الرب إدريس الذي لحن له ثلاث أغاني، كما كسر لأول مرة قاعدة الغناء باللهجة الخليجية عندما تعاون مع مروان خوري الذي كتب له أغنية لبنانية بعنوان "الله معا" من ألحان نقولا سعادة نخلة .
نجاحات متتالية ومسيرة مستقرة رغم قصرها؛ حالة يمكن أن تخلق غيرة واضحة من نجوم آخرين وجدوا منافسًا لهم من عمر أبنائهم، ولكن لم يتوقع أحد أن يتم استدعاء اسم أسطورة الأغنية السعودية محمد عبده لتوجه له هذه التهمة.
بدأت القصة في جلسات الوسط الموسيقي حين ألمح البعض إلى ضيق "أبو نوره" من تشبيه عباس به، وتلقفت الصحافة القصة فور ابتعاد عباس عن الساحة لفترة طويلة قاربت الثلاثة أعوام عقب صدور ألبوم "لفتة".
زاد من الجدل قيام محمد عبده بغناء أغنية "ما همه شي" وإصدارها رسميًا بعد أن غناها عباس في إحدى الحفلات الخاصة. وبين غياب الأخير غير المبرر، وغناء الأول لأغنيته عمدًا نُسجت خيوط قصة الحرب الخفية التي يديرها "أبو نوره" ضد عباس. لكن جاء ظهورهما وغنائهما سويًا في احتفالات "الجنادرية" ليهديء الأجواء.
الغريب أن التهمة ظلت تطارد محمد عبده حتى وقت قريب، لدرجة أنه سُئل منذ سنوات في برنامج "ديوان المديفر" لماذا يُزج باسمه في قصة ابتعاد عباس ابراهيم، فرد مندهشًا: "ليه ما أدري ليش؟ عباس واحد من أصغر أولادي هينافسني في إيه؟"
ردود محمد عبده لم تكن مقنعة للجمهور، وبدا عليه الضيق بشدة، خاصة أن المذيع باغته بربط الجمهور بين خلافه مع أحد الأمراء وبين موقفه من عباس. لكنه قال بتحفظ: "مالي دخل بهذه القصة".
الملفت أن محمد عبده كان من أوائل من استمعوا لصوت عباس ابراهيم. فوفقًا لتصريح سابق للفنان السعودي صالح المتعاني، كان عباس يسجل أغنيات في الستوديو الذي يملكه محمد عبده، والذي جاء ليسمع المطرب الشاب بدعوة من الأمير محمد بن عبدالله الفيصل، فأعجب به وقال له: "صوتك حلو".
ملل أم خوف من الأضواء؟
وسط كل ذلك ترك عباس ابراهيم الساحة مشتعلة بالجدل. اختفى إعلاميا وفنيًا حتى عام 2011. يقول المقربون منه أنه ملَّ من الشهرة مبكرًا، وأنه يفضل التفرغ لحياته الخاصة ومتابعة مباريات كرة القدم. إلى أن عاد عام 2010 بألبوم "أنا غنيت". لكن الحضور كان هادئًا بلا صخب. حتى هو لم يظهر في أي وسيلة إعلامية ليتحدث عن أعماله. ثم عاد للاختفاء مجددًا دون إصدار أي ألبومات حتى عام 2019 عندما أصدر ميني ألبوم بعنوان "زاهية"، لكنه لم يلق نجاحًا كبيرًا. عوض ذلك بظهوره في الاحتفاليات الوطنية عقب عام 2020 ، وقدم أغنيات مثل "المجدد" و "يالخرافة" و"سيرة وطن".
وكعادته وقف عباس على خط التماس؛ لم يعلن اعتزالًا صريحًا أو حضورًا كاملًا. ظل حائرًا بين العودة والاختفاء الذي ابتلع سنوات ازدهاره الفني المفترض، تاركًا جمهوره في حيرة السؤال: هل يعود بكامل لياقته الفنية ويستعيد نجاحات الماضي؟