بمناسبة عيد ميلاده الرابع والستين، نعود إلى الإرث الكبير الذي صنعه عمرو دياب عبر مسيرته الفنية الاستثنائية الممتدة لأكثر من أربعة عقود، والتي جعلت منه أيقونة عربية وعالمية. إرث عمرو دياب لا يقتصر على النجاحات التجارية أو الأرقام القياسية، بل يشمل أيضًا إسهامات حقيقية في تطوير الأغنية العربية وإغنائها بألوان موسيقية جديدة.
لعل من أبرز إنجازاته أنه ساهم في تعريب الموسيقى اللاتينية، عبر مزج الإيقاعات والنغمات اللاتينية مع الأداء الغنائي العربي، فخلق مزيجًا موسيقيًا ساحرًا، أثّر بجمهور الموسيقى العربية وصنّاعها، ليصبح سريعًا جزءًا من هوية الأغنية العربية الحديثة. وبفضله، تحولت الموسيقى اللاتينية خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى واحدة من أكثر الجنرات حضورًا وانتشارًا في العالم العربي.
نجمع في هذه القائمة 7 من أجمل الأغاني التي قدمها عمرو دياب على الإيقاعات اللاتينية المتنوعة، وتركت أثرًا ثوريًا في الموسيقى العربية:
نور العين
لم تكن "نور العين" أول تجارب عمرو دياب في تعريب الموسيقى اللاتينية؛ ففي ألبوم "ويلوموني" الذي أصدره سنة 1994، ضم أغنيتي "ويلوموني" و"العيون" بلمسات لاتينية واضحة. لكن "نور العين"، التي صدرت عام 1996، مثّلت لحظة التحوّل الحقيقية التي رسّخت هذا اللون كجزء من هوية الأغنية العربية الحديثة. اعتمد التوزيع على إيقاع لاتيني راقص ممزوج بإيقاع شرقي، مع الجيتارات الإسبانية والأكورديون، الذي برز صوته بالفواصل الموسيقية. وتجلّى إبداع عمرو دياب في قدرته على الحفاظ على العاطفة الشرقية في أدائه الغنائي، ليجعل صوته الجسر الذي يربط الجمهور العربي بهذه الألوان الجديدة. وهكذا، لم تُعرّف "نور العين" المستمع العربي فقط على النكهة اللاتينية، بل جعلتها جزءًا من الذائقة العامة، لتبقى حتى اليوم أيقونة موسيقية خالدة.
تملي معاك
صدرت "تملي معاك" عام 2000 لتصبح واحدة من أنجح أغاني عمرو دياب وأكثرها انتشارًا عالميًا، حيث أُنتج على لحنها أغاني باللغات الإسبانية والإنجليزية والهندية وغيرها. الأغنية مثّلت استمرارًا للتجارب اللاتينية التي بدأها عمرو دياب منذ منتصف التسعينيات، لكنها جاءت بطابع مختلف عن أغاني البوب اللاتيني المعرب التي تعاون فيها مع حميد الشاعري في التوزيع الموسيقي، إذ حملت بصمة طارق مدكور، بروح أكثر هدوءًا ورومانسية. ولاتزال أغنية "تملي معاك" إلى اليوم تحصد ثمار نجاحها الأسطوري، إذ تم اختيارها من قبل مجلة "رولينج ستون" كأفضل أغنية في القرن الواحد والعشرين، وعلى قوائم بيلبورد عربية، تعتبر "تملي معاك" من الأغاني الأكثر حضورًا، حيث حضرت طوال 82 أسبوعًا على قائمة بيلبورد عربية هوت 100، فضلًا عن كونها أقدم أغنية على الإطلاق تصل إلى المراتب العشرة الأولى، حيث بلغت أعلى ذروة لها بالوصول إلى المرتبة العاشرة.
قدام عيونك
تُعد "قدام عيونك" واحدة من أجمل أغاني عمرو دياب ذات الطابع اللاتيني، وجاءت ضمن ألبومه الشتوي "كمل كلامك" الصادر عام 2005، الذي خاض فيه عمرو دياب تجارب جريئة في البالاد روك. الأغنية يمكن تصنيفها بأنها لاتين روك، حيث تبدأ بضربات درامز قوية تخطف انتباه المستمع مباشرة للمقدمة الموسيقية معقدة التي تتداخل فيها ثلاثة أنواع من الجيتارات: جيتار يرسم الإيقاع بالكوردات، وجيتار أكوستيك يعزف صولوّهات رومانسية، وجيتار كهربائي يضيف قوة وحيوية، ويرافقها إيقاع رومبا يمنح الأغنية دفئًا لاتينيًا مميّزًا.
يعزز الموزع الموسيقي عادل حقي الرومانسية بالأغنية بخطوط الكمانجات والبيانو، ويضيف عمقًا دراميًا؛ لتكون "قدام عيونك" بالنتيجة واحدة من أكثر التجارب الموسيقية تكاملًا، بمزيجها الخاص ما بين صخب الروك وحيوية الموسيقى اللاتينية وجمال أداء عمرو دياب الشرقي على مقام الكرد.
هلا هلا
قدّم عمرو دياب في ألبوم "بناديك تعالى"، الذي أصدره سنة 2011 تجربة جديدة مع الإيقاعات اللاتينية الحديثة بأغنية "هلا هلا"، التي اعتمدت على إيقاع الريجاتون. الأغنية تميزت بتوزيع جريء يمزج بين السينثات الإلكترونية والإيقاعات الراقصة، ما جعلها مختلفة عن معظم أعمال عمرو دياب السابقة في الطابع اللاتيني.
العنصر الأكثر إثارة في "هلا هلا" كان الأكورديون الذي رافق صوت عمرو دياب طوال الأغنية، حيث يعزف نفس الجملة اللحنية التي يغنيها عمرو دياب، ليبدو كأنه صدى موسيقي لصوته. هذا الاستخدام المبتكر أضفى على الأغنية طابعًا شرقيًا خاصًا، جعلها أكثر إثارة رغم مواكبة الأغنية للتوزيعات الأكثر حداثة بالأغاني اللاتينية.
والجدير بالذكر أن ألبوم "بناديك تعالى" كان واحدًا من أكثر الألبومات التي قدمها عمرو دياب جرأة بالتجريب بالجنرات الفرعية بالموسيقى اللاتينية بالتعاون مع الموزع الموسيقي عادل حقي، ففيه قدم أيضًا أول أغنية لاتين هاوس، "هي حياتي"، التي مزج فيها بيت هاوس مع طبول الكونجا.
زي ما انتي
تُعتبر "زي ما إنتي" من أكثر أغاني عمرو دياب اللاتينية جمالًا وتأثيرًا، رغم بساطة بنائها الموسيقي. الأغنية صدرت ضمن ألبوم "سهران" عام 2020، حيث قدّم عمرو دياب تجربة بالاد لاتيني تعتمد على إيقاع لاتيني رومانسي هادئ، بعيد عن التعقيد، لتمنح مساحة لصوته كي يبرز بأقصى درجاته رومانسيةً.
جمالية الأغنية تكمن في التناغم ما بين الكلمات واللحن الشرقي الرقيق لعزيز الشافعي وتوزيع نادر حمدي، الذي اعتمد على البساطة والاقتصاد في استخدام الآلات، فجاءت خطوط الجيتارات الإسبانية خفيفة ومتناغمة، تدعمها لمسات ناعمة من الوتريات والإيقاعات الرقيقة، مما جعل اللحن أكثر قربًا ودفئًا.
ابتدينا
مع أغنية "ابتدينا" من ألبومه الصادر عام 2025، يواصل عمرو دياب مشروعه في تطوير ما يمكن تسميته بـ الموسيقى المتوسطية، التي تمزج نغمات وإيقاعات من شواطئ البحر المتوسط في قوالب هجينة بين الشرقي والغربي. وعلى امتداد مسيرته، خاض دياب تجربتين متوازيتين: الأولى مع المقسوم، والثانية مع البوب اللاتيني المعرب. وفي "ابتدينا"، خطا خطوة إضافية بخلط هاتين التجربتين داخل وعاء واحد.
تبدأ الأغنية بصولو بزق يوناني على الطريقة الكلاسيكية، قبل أن يدخل معه الجيتار الإسباني في محاورة موسيقية، سرعان ما تنضم إليها إيقاعات الفلامنكو، لتتشكّل لوحة صوتية عابرة للحدود. هذه التجربة تؤكد أن عمرو دياب لا يزال بعد أربعة عقود من العطاء قادرًا على ابتكار مسارات جديدة للأغنية العربية، تمزج الجذور بالحداثة وتجمع الشرق والغرب في لحن واحد.