منذ أكثر من 3 سنوات كنت أتابع بشغف مسيرة الفنان مشعل تمر عن قرب. جعلني ذلك شاهدةً على رحلة فنان عربي استطاع أن يصنع لنفسه مسارًا عالميًا دون أن يتخلّى عن هُويته. خلال هذه السنوات شاهدتُ تحولات في مساراته واختياراته الفنية. دهشتني كل قفزة يحققها هذا الصوت السعودي، الذي صار اليوم من أبرز الوجوه الصاعدة في مشهد البوب الحديث. مشعل لا يخفي فخره ببلده، التي تبدو جزءً من صوته.
ما يجعل تجربة مشعل مميزة هو اتساع جمهوره خارج حدود العالم العربي. ستجدهم في أمريكا اللاتينية والهند ونيجيريا. مع ذلك قرر أن يلتقي بجمهوره في مصر للمرة الأولى. كأنه أراد أن يلتقي بجمهور عربي يشبهه في الحس. اختار مكانًا غير تقليدي هو "بوم رووم" مساحة تزاوج بين الموسيقى وألعاب الفيديو، كأنها انعكاس دقيق لشخصيته التي تجمع بين صوته وهوايته.
أداء يجمع بين الصدق والحيوية
قبل الحفل كان الترقب واضحًا. الجميع ينتظر صعوده. كنت أراقب من بعيد ملامحه المرهقة قليلًا، ربما بسبب مشاركته في مهرجان Untold Festival في دبي قبل يومين من الحفل. لكن ما إن بدأ الغناء، حتى تبدّل كل شيء. امتلأ المكان بإحساسه المفعم بالصدق.
لم يكن مجرد أداء غنائي بل حوار صادق بينه وبين جمهوره، غنّى مشعل مجموعة من أغاني ألبومه الأخير Home is Changing كما قدم أغنية Arabian Knights التي تمزج بين العربية والإنجليزية والإسبانية. فوجئت بأن الجمهور يردد حتى الكلمات الإسبانية، رغم ندرة من يتحدثها في مصر.
لحظة لافتة استوقفت الجمهور
المدهش أكثر أنه في أثناء ذلك التفاعل، جاءت فتاة روسية حاملة باقة زهور زرقاء، تطلب منه تكرار الأغنية التي انتهت للتو. ابتسم مشعل. وسريعًا ما قبل أن يُكررها. جذب يد الفتاة لتصعد معه إلى المسرح وسط تصفيق الجمهور. كانت لحظة بسيطة جسدت جوهر مشعل؛ فنان قريب وحقيقي لا يضع حاجزًا بينه وبين الناس.
إلى جانب الفتاة الروسية، ثمة فتاة من ليبيا جاءت خصيصا لحضور الحفل مع والدها. طلبت منّي أن التقط صورة لها معه. رأيت شباب آخرون قادمون من جدة مسقط رأس مشعل وكأن القاهرة كانت نقطة التقاء بين كل هؤلاء الذين لمسهم فنه
الفرقة الموسيقية كانت امتدادًا لحضوره. عزفوا بروحٍ منسجمة لدرجة أن الجمهور لم يتوقف عن التفاعل. كان مشعل يتنقل بين الغناء والمزاح، وبين كل أغنية وأخرى، بدأ يلقي للجمهور قطع Merch من مجموعته الخاصة، من قبعات وحقائب وتيشيرتات تحمل اسمه أو عناوين أغنياته مثل Itty Bitty.
في ختام الحفل، ومع طلب أحد الجمهور أن يعيد "بابا فين" التي استخدم فيها عيّنة صوتية من الأغنية القديمة التي تحمل نفس الاسم لفرقة "فري بيبي"، غناها مجددًا، التقط الهواتف ليصوّر بنفسه لحظات الغناء الجماعي وكأنه يوثق ذاكرة مشتركة.
جمهور من مختلف البلدان جمعتهم الموسيقى
بعد الحفل التف حوله الحضور من كل الأعمار والجنسيات. وقف مبتسمًا يوقع لهم، من بينهم أحد الفتيات طبعت غلاف ألبومه home is changing ليوقع لها عليه. آخرون استخدموا الـ merch الخاص به.
إحدى الفتيات لم تجد ما يوقع لها عليه فطلبت منه التوقيع على يديها. أخريات استخدمن الأوراق المعدة مسبقا بأسماء الاغنيات التي سيقدمها ليوقع لهم عليها. فعل ذلك دون تذمر أو استعجال. كأنه يعرف أن هذه اللحظات هي ما تصنع العلاقة بين الفنان وجمهوره.
لم يكن هذا الحفل مجرد أمسية موسيقية، بل تجربة عاطفية صادقة جمعت بين الثقافات واللغات في لحظة واحدة. أدركت حينها لماذا كان عليّ أن أكون هناك. مشعل تمر لم يعد فقط فنانًا أتابعه على المنصات بل أصبح حالة تُعاش، تُشعرك بأن الموسيقى الصادقة ما زالت قادرة على أن تجمعنا مهما اختلفت لغتها.






