من التجارب الجماعية ومساحات التفاعل الحي بين الموسيقى والرقص والهوية، تولد التحوّلات الموسيقية الأكثر تأثيرًا. ضمن هذا السياق، يبرز اسم "الهوبي / Hoby" بوصفها واحدة من أكثر الجنرات الجديدة إثارةً للنقاش اليوم، لا كتصنيفٍ نهائي، بل كحالة ثقافية تتشكّل أمام أعيننا.
جنرا سمعنا عنها كثيرًا خلال أسبوع الرياض الموسيقي، وتناولها الفنانون وصنّاع الموسيقى كلٌّ من زاويته الخاصة، في قراءات متباينة تعكس حيوية هذا المشهد وحداثته.
إليكم ما جمعته بيلبورد عربية من آراء وتأملات حول جنرا الهوبي من مختلف الفنانين وصناع الأغنية في المنطقة.
هل الهوبي جنرا فعلًا؟
خلال مقابلتنا مع ماثيو ديكس، المدير التنفيذي للموسيقى والمواهب في مدل بيست، بدا واضحًا تحفّظه على فكرة حسم "الهوبي" كجنرا نهائية. يقول ديكس: "نحن نسمع هذا المصطلح كثيرًا في الجلسات. أعتقد أحيانًا أن الجميع، ومنهم الصحفيون، يحبّون وضع الموسيقى في قوالب. من الجيد أن نضع اسمًا، نعم، لكن الهوبي بالنسبة لي يشبه أي نوع موسيقي خرج من مجتمع شبابي، من تلاقي الإلهام بالأصوات العالمية، ومن إنتاج صوت محلّي وإقليمي خاص."
ويرى ديكس أن جوهر "الهوبي" لا يكمن في تسميته، بل في ما يمثّله: "الهوبي فرصة ثقافية ومجتمعية. يجب أن يبقى كذلك. لا يمكننا ختمه أو السيطرة عليه. المنتجون، الكتّاب، المجتمع، الرقص، الحفلات… كل هذا مذهل. السؤال ليس: كيف يجب أن يكون؟ بل: ماذا يحتاج لينمو؟"
ولعلّ استحضاره لتجارب سابقة ليس عابرًا. فهو يربط نشوء "الهوبي" بمسارات تاريخية واضحة: "شهدت ولادة الجنغل في بريطانيا، التي تطوّرت إلى درام-أند-بايس، خرجت من ثقافة أنظمة الصوت في المجتمع الكاريبي. الغرايم أيضًا جاء من شباب يصنعون إيقاعات بسيطة في غرفهم. الهوبي يجب أن يمتلك هويته الخاصة، وأن يُترك لينمو وحده. لا تفسدوه. لا تتحكّموا به."
من زاوية مختلفة، تنظر روان الفاسي، الفنانة ومديرة الفنانين والمخزون الفني في MDLBEAST Records، إلى "الهوبي" بوصفه حركة كامنة بدأت تتسرّب إلى السطح: "الهوبي سيكون الحركة الجديدة. هو بالفعل حركة، لكنها تحت الأرض."
وتقارن روان مساره بتجربة المهرجانات في مصر: "المهرجانات كانت موسيقى شوارع وأعراس، ثم تحوّلت إلى صوت بوب جماهيري. أعتقد أن الهوبي سيسير في الاتجاه نفسه. حفلاته تُباع بالكامل في أماكن تحت الأرض، وهو يمزج الهيب هوب بالموسيقى الخليجية بطريقة يصعب شرحها… عليك أن تسمعها بنفسك."
يقول ذا دو، الفنان السعودي العامل ضمن مشهد الهوبي، إن انجذابه إلى هذا اللون الموسيقي جاء من إحساس عميق بالانتماء: "شعرت أن هذا الصوت يشبهنا، وأنه مساحة نستطيع أن نجد فيها طاقتنا الخاصة، وأن نحتفل على إيقاعنا نحن. وجدت نفسي فيه فعلًا، لأننا حين صنعناه وضعنا إيقاعاتنا وأصواتنا وتجربتنا الخاصة داخله."
ويشير إلى أن الطريق لم يكن سهلًا في بدايته، مضيفًا: "لم يأتِ شيء بسهولة. واجهنا تحديات حقيقية في البداية، ونحن نحاول أن نجد صوتنا ونتعلّم. كان علينا أيضًا أن نُقنع الناس بالاستماع إلى هذا الشكل الجديد من الموسيقى وتقبّله."
كما يتوقف عند محدودية الفرص في المراحل الأولى، موضحًا: "كنا نفتقد المساحات، سواء من حيث الحفلات أو المنصّات والمسارح. لكن كل ذلك بدأ يتغيّر تدريجيًا مع الوقت، ومع تطوّر المشهد خطوة بعد خطوة."
الجسد شريك في التجربة
أما الفنانة السعودية شرقية، فتقرأ الهوبي من خلال الجسد والحركة: "لا يمكنني أن أكون أكثر حماسًا لصعود الهوبي. كوني آتية من خلفية رقص، هذا الغروف لا يُقاوم. لديه قدرة حقيقية على جمع الناس عبر الحركة."
وترى أن تطوّره المستقبلي سيكون انعكاسًا طبيعيًا لهذا التفاعل الحي بين الموسيقى والجمهور.
أما فيصل المكتوم، مسؤول تكوير الفنانين والريبرتوار في MDLBEAST Records، فيعيد النقاش إلى جذوره الاجتماعية: "زيها زي أي موسيقى طلعت من الشارع، جمهورها رح يكون محارب ومصنّف بشكل نمطي. لكن مع الوقت، الكل رح يحاول يربط نفسه فيها لما تصير cool enough وتوصل لشعبية معيّنة."
أما دي جي مبارك الذي اشتغل على هذه الجنرا أيضًا، يرى أن الهيب هوب الخليجي، المعروف حاليًا باسم "الهوبي"، يُعدّ لونًا موسيقيًا جديدًا استطاع أن يحظى بإعجاب واسع لدى فئة الشباب. ويشير إلى أن هذا اللون يتميّز بطابعه الحماسي، وباعتماده على إيقاعات خليجية تمتزج بعناصر الهيب هوب المعروفة، إلى جانب نغمات موسيقية تجمع بين التأثيرات الغربية والعربية.ويضيف أن ما يميّز الهوبي بشكل خاص هو مستوى الطاقة العالي فيه، موضحًا أن الهيب هوب غالبًا ما يُقدَّم بصيغ عدوانية، أو تحت أرضية، أو تجارية، بينما يأتي هذا اللون ليعبّر عن تجربة أقرب إلى جمهور الخليج والدول العربية، لا سيما مع كثافة الإصدارات وتزايد الإقبال الجماهيري عليه، وتطوّره المستمر يومًا بعد يوم.ويؤكد أن «الهوبي» يُعد لونًا جديدًا من حيث البنية الموسيقية والفكرة، إذ يستند في الميكس والماسترينغ إلى مزج واضح بين جنرا الهيب هوب والموسيقى الخليجية، ما يمنحه هوية خاصة. ويختم بالقول إن لهذا اللون مستقبلًا واعدًا، سواء داخل المنطقة أو خارجها، مشيرًا إلى الدور الكبير الذي يلعبه فنانو الخليج في تطويره، من خلال الابتكار في الغناء والراب وتقنيات الإنتاج والمكسينغ، وتقديم أفكار جديدة في كل مرحلة.
يشرح مجيد الوزنه، المنتج الموسيقي والشريك المؤسِّس لإحدى العلامات الموسيقية، مسار تطوّر الهوبي جغرافيًا وصوتيًا، قائلًا: "عندما بدأت هذه الموسيقى في الإمارات، وكان في جوهرها مزيجًا متأثرًا بالتجربة الكويتية. في تلك المرحلة، لم تكن مقتصرة على نمط واحد، بل بدأت تستوعب عناصر سردية أكثر، وتوسّعت تدريجيًا في بنيتها."
ويضيف أن انتقالها إلى السعودية شكّل نقطة تحوّل واضحة: "مع دخولها إلى السعودية، وتحديدًا إلى الرياض، بدأت تتكوّن لها قصص وسياقات مختلفة. لم يكن الأمر اختراعًا جديدًا بقدر ما كان تطويرًا طبيعيًا للجنرا. النمط تغيّر، والكلام تغيّر، وبدأ الطابع النجدي يفرض حضوره بشكل أوضح."
ويتابع: "مع دخول أسماء مثل دي جي بارك، ذا دو، وأسماء أخرى، بدأت الموسيقى تعكس تفاصيل من حياة الرياض نفسها: القيادة في الشوارع، المشهد تحت الأرض، واللونجات. هذه العناصر هي ما جعلها تتشكّل بهويتها الحالية وتصبح أكثر التصاقًا بالمكان."
ويختم بالقول إن جذور هذا اللون تعود أساسًا إلى موسيقى الرقص: "في الأصل، جاء هذا النمط من موسيقى الرقص، وكانت بداياته في الكويت مرتبطة بالحفلات. لاحقًا، دخل عليه الهيب هوب، وتعمّق عنصر السرد القصصي، مع الحفاظ على الإيقاع والجو العام والرقصة الخاصة به. أما اليوم، فنحن أمام نسخة محدَّثة، يندمج فيها الراب والهيب هوب بوضوح داخل هذا الإطار."
من جانبه، يتعامل كالي بي، المغنّي والمنتج، مع الهوبي بعين نقدية بنّاءة: "سمعته وشاهدته حيًا في XP، والطاقة كانت عالية جدًا. الناس تحبّه فعلًا. قد يكون صوت المنطقة."
لكنه يضيف: "لكي يصل إلى العالمية، ما زال يحتاج إلى بعض الصقل والشدّ ليصل إلى تلك النقطة المثالية."






