في نهاية عام 2024، أصدر مروان فقي ألبومه الأول "ترانيم المطر". ألبوم شديد الشاعرية سُجّل في بودابست بمشاركة أوركسترا كاملة، ليكون تتويجًا لمسار فني لم يتعجل فيه صاحبه الوصول.
ثمان أغانٍ تشكّل هذا العمل، يجمعها مزاج تأملي وتوزيعات مركبة تُزاوج بين الكلاسيكيات الشرقية والغربية، وتفاصيل موسيقية دقيقة تعكس نضجًا لا يتكون بسهولة.
لكن هذه الذروة لم تكن إلا امتدادًا لرحلة بدأت بهدوء، حين اكتشف الملحن الراحل غازي علي، أحد رواد الأغنية الخليجية، موهبة مروان فقي ورأى فيها صوتًا طربيًا واعدًا، قادمًا من مكة، يحمل في صوته خزانًا من الإحساس الصادق والذائقة العالية.
برامج المواهب في سبيل الجمهور الأوسع
في بداياته، عرفه الجمهور باسم "مروان طارق" من خلال مشاركته في برنامج "آراب آيدول"، وعقب مشاركته في البرنامج طرح أولى أغنياته "ليه الغيبة" التي كتبها طلال لبّان ولحنها بنفسه، في أول بوادر ميله للتأليف الموسيقي لنفسه.
بعد هذه الخطوة الأولى، آثر مروان التمهل والعمل على تطوير موهبته. غيّر اسمه الفني إلى مروان فقي، وبدأ يعمل بهدوء على تطوير صوته وصياغة هويته الفنية الخاصة، بعيدًا عن وهم الانتشار السريع. عاد لاحقًا إلى ساحة برامج المواهب عبر الموسم الرابع من "ذا فويس"، حيث اختارته الفنانة إليسا ضمن فريقها، في محطة أظهرت تطورًا واضحًا في أدائه ونظرته لنفسه كفنان ناضج.
خلال سنواته التالية، ظل يصدر أغاني منفردة على فترات متباعدة. كل أغنية كانت تمثل له تجربة كاملة بذاتها، يسكنها بالكامل ويخرج منها بإضافة جديدة إلى مسيرته. واحدة من أبرز محطاته كانت في عام 2019 بأغنية "صد وحسافة"، التي تعاون فيها مع الشاعر فهد العصيمي والموزع نيسيب غولسان، وشكّلت بداية واضحة لمسار يمزج فيه بين الطرب والألوان الحديثة.
في الطريق نحو الأوركسترا
في فبراير 2021، قدّم عملًا استثنائيًا بعنوان "ويطول الكلام"، من كلمات فهد العصيمي، توزيع رامي باصحيح، وتسجيل أوركسترالي في بودابست. هذه الأغنية حملت ملامح شخصية متفردة، حيث مزج مروان بين المقام البياتي والأوركسترا الكلاسيكية الغربية، مع جوقة لبنانية أضفت طابعًا أوبراليًا عميقًا، لتكون نقطة مفصلية في رسم هويته الصوتية والموسيقية.
ثم واصل هذا التوجه في العام التالي بأغنية "يا ليلة الوصل"، حيث عاد إلى الشعر العربي الفصيح واختار نصًا لابن المعتز، مُستلهمًا من تجربة كاظم الساهر، لكن بطابعه الشخصي الأكثر هدوءًا. بدا واضحًا أن مروان لم يكن يعيد إنتاج تجارب الآخرين، بل يستلهم منها ليبني عليها صوته الخاص.
في صيف 2023، قدّم "لا تجرح"، وهو عمل يستدعي روح التسعينيات الخليجية. الأغنية كتبها النواف ووزعها أمجد معتز بأسلوب يوازن بين الإيقاعات الخليجية الحيوية والوتريات الكلاسيكية الغربية، وتخلل الأغنية جمل لحنية تخرج عن السياق بشكل مفاجئ، تنذر بخصوصية مروان فقي وأسلوبه الخاص الذي بدأ يتبلور.
ثم جاء ألبوم "ترانيم المطر" في نهاية العام المنصرم. كل أغنية من الألبوم جاءت شاعرية بطريقة خاصة، "كنه غيمة" تبدو اتحادًا موسيقيًا مع روح الطبيعة وتجسيدًا لحزن المدرسة الرومانسية وتأملاتها، و"تفاصيل وحكاية" تستوحي ملامحها الشاعرية من تأثيرات الموسيقى التركية، بينما تقف "فيك وضيك" على عتبة الطرب الخليجي القديم بكامل شجنه وعذوبته.
وما بين ظهوره الأول على الشاشة وبين ألبومه الأول، يتضح أن مروان الفقي يتأنّى في خطواته، يلحن كل أعماله بنفسه، ليرسم لنفسه طريقًا لا يشبه سواه. يختار أن يصغي لصوته الداخلي، مؤمنًا بأن القيمة لا تُصنع بالضجيج، بل بما يُترك بعد الصمت.