جاء موعد الحفل الذي انتظرته طويلًا.. فمنذ إعلان جولة "Radical Optimism"، والإشارة إلى تقديم دوا ليبا عرضًا في باريس، عزمت على حضور الحفل.
رغم الحماسة، بقيت قلقًا من أن تتمحور التجربة حول الألبوم الجديد فقط. فرغم أنني من معجبي دوا ليبا- من زمان- إلا أن الألبوم لم يكن المفضل لدي. فهل كانت خطوة متسرعة أن أحجز بطاقة لحفل ضمن جولة ألبوم لم أتحمس له بشكل خاص؟
ساعتان في ترقب جماعي
حجزت تذكرتي في مناطق الوقوف، لأنني كنت أتخيل أن الجلوس على الكراسي العالية في المدرجات ليس المكان الأنسب لحضور حفلة دوا ليبا.
تذكرتي ليست من الفئة الذهبية، التي تضمن مكانًا قريبًا من المسرح، ولذلك ذهبت مبكرًا إلى "لو ديفانس أرينا"، لأحجز مكانًا قريبًا قدر الإمكان، ووصلت عند الساعة السادسة وعشرين دقيقة مساءً، لكن المكان كان مكتظًا بالفعل.. الأعداد كانت هائلة، والحماس مشتعلاً حتى قبل أن تُضيء الشاشات.
وقفت في موقع متوسط، ليس مثاليًا، لكنه كان جيدًا نسبيًا، بالقرب من الشاشة اليمنى، حيث أستطيع رؤية المسرح بوضوح معقول. كان الجو مفعمًا بالحماسة، والجمهور في غالبيته من الجيل زد، وهنا استدركت أن دوا ليبا أصغر نجمة بوب عالمية أحضر حفلاتها. عمومًا.. لم أكن الأكبر سنًا بين الجمهور، فالجمهور متنوع ويشمل فئات عمرية مختلفة.
بعد عرض افتتاحي لأقل من ساعة لمغنية لم أكن أعرفها من قبل، تُدعى أليسي روز، ثم عرض بصري خلق لحظات ثقيلة من الترقب، صعدت دوا ليبا إلى المسرح أخيرًا. تلك اللحظة كانت سحرًا خالصًا. لم يعلُ صوت الموسيقى بقدر ما غطى التصفيق والصراخ على كل شيء.
معجب قديم يسمع الألبوم الجديد.. من جديد
افتتحت الحفل بأغنية "Training Season"، ومنذ اللحظة الأولى، اشتعلت الأجواء. لفتني أسلوبها الخاص في تقديم الأغاني؛ ليس فقط بالغناء، بل بإعادة تشكيل اللحظة. ففي أكثر من مرة، كانت تنهي الأغنية لتعود إليها بنسخة معدلة، أبطأ، وأقرب إلى الجمهور. مثلما فعلت في "Break My Heart" حين غنّتها وهي مستلقية على أذرع الراقصين، لتغني من علو وباسترخاء جذاب يخطف اهتمام الجمهور، بمن فيهم اللذين حولوا الساحة إلى حلبة رقص.
ما أعجبني أكثر أن دوا ليبا لا تحتفظ بمسافة بينها وبين جمهورها. على العكس، نزلت إلى منطقة الجمهور القريبة، Fosse Or، وعانقت الحضور وتحدثت معهم. في لحظة عفوية، رأت وشاحًا من الفراء يرتديه شاب فرنسي، فأعربت عن إعجابها به وطلبت أن تأخذه، ووافق. لحظة بدت حياتية جدًا، وغريبة في سياق عرض عالمي ضخم، لكنها اختزلت جوهر ما تصنعه دوا ليبا: تجربة إنسانية حقيقية داخل عرض فني مذهل.
لربما كان ألبوم "Future Nostalgia" المفضل لدي بين تجارب دوا ليبا. ذلك الألبوم تحديدًا شكّل بالنسبة لي ذروة نضجها الفني، بتوليفة تمزج النوستالجيا وموسيقى الديسكو في الثمانينات مع البوب الحديث، وقد ظلّ مفضلًا لدي حتى بعد صدور ألبومها الأخير.
بصراحة، لم يلامسني "Radical Optimism" بالشكل ذاته حين استمعت إليه لأول مرة. لكن المفاجأة كانت أن الحفل غيّر ذلك. أداء الأغاني على المسرح أخرجها من السياق المسجّل وفتح أمامها مساحة جديدة. أحببت أغنية "These Walls" بشكل خاص، كانت نابضة بالحياة مؤثرة، وجاء أداؤها مختلفًا عما توقعت. كما أن الأغنيتين الافتتاحية والختامية، "Training Season" و"Houdini"، واللتان أحببتهما منذ صدورهما، اكتسبتا في الحفل قوة إضافية جعلتهما من أبرز لحظات الليلة.
للجمهور المحلي نصيبه أيضًا
ومن اللحظات التي انتظرتها بفضول، كانت اللحظة التي تتحدث فيها دوا ليبا بالفرنسية، أو تؤدي شيئًا مخصصًا للجمهور المحلي. توقعت أن تغني "Fever"، تلك الأغنية الجميلة التي جمعتها بالمغنية الفرنسية/ البلجيكية أنجيل. لكن دوا ليبا خالفت التوقعات، وأدّت مقطعًا من أغنية "Moi... Lolita" للمغنية الفرنسية أليزي؛ كانت لحظة لطيفة عززت علاقتها بجمهورها الفرنسي، وبيّنت مدى إدراكها لأهمية التفاصيل المحلية في حفلات الجولات العالمية.
لم يكن التقاط الصور أو الفيديوهات سهلًا، فالحماس كان يحرّك الجميع بعشوائية، ومع كل قفزة أو صيحة كان هناك من يغطّي العدسة أو يصطدم بك. لكني كنت مصممًا على توثيق بعض من تلك اللحظات، لأنني كنت أعلم أني سأرغب في الفترة القادمة بالعودة إليها، مرارًا.